عجيب هو شأن العلاقات الإنسانية.. فقد تهتز الصداقة المتينة.. وقد تحجب غيوم المشاكل علاقات الود بين الأصدقاء.. ولكن أحداثا - يأتي بها القدر في غالب الأحيان - من شأنها أن تذيب الثلوج وتمحو أجزاء من الذاكرة تتعلق بأسي أو غضب قد أطل علي تلك العلاقات في وقت ما.. والعجيب أيضا أن تلك الأحداث التي تمحو بعضا من الذاكرة، تنير ذكريات أخري تنعش القلب وكأنها أجهزة الإنعاش التي تحييه بعد موت.. نتناسي الغضب والأسي وكل مشاعر سلبية في مقابل شعور مهيب بقيمة الحياة وباحتمال فقدان الأصدقاء والأحباب في لحظة.. يرتكز تفكيرنا مع وجداننا علي قيمة العلاقات الإنسانية وبخاصة تلك التي تكونت علي مدي تاريخنا وشكلت جزءًا من شخصياتنا وذكرياتنا وتراكمت عن طريقها أحداث حياتنا فكونت لنا تاريخا شخصيا لا نستطيع أن نقصّه أو نسجله دون وجود هذه الشخصيات وتلك العلاقات.. من يستطيع أن يقول إذا أننا مخيرون؟ من الذي ينكر قيمة الأقدار ودورها في تحريك أحداث الحياة؟ هل هناك من يدعي أنه يمسك زمام الأمور بيده ويستطيع التحكم في أقداره؟ من يجرؤ علي إنهاء صداقاته، أو حجب الناس من حياته، أو إبعاد جزء من تاريخه الإنساني مهما بلغت قسوته؟ صدق الإنجليز حين قالوا (لا تحرق جسورك) والمقصود ألا تقطع علاقاتك بالناس مهما حدث.. من يدري! ربما تعيدك الأقدار للطريق الذي كنت تسير فيه من قبل وتجد نفسك فوق الجسر القديم الذي استبقيته.. وتجد نفسك بين أصدقائك القدامي الذين كنت قد انقطعت عنهم، ولم تقطعهم.. تأتي الأزمات إذا لتعيد للعلاقات الإنسانية دفئها.. وبالرغم من أنها قد تعصف بالإنسان، تؤمن له من الأحباب من يساندونه.. تماما كأجهزة الإنعاش التي تصعق الإنسان وقد تؤذيه قليلا علي سطح الجلد، ولكنها تعمل علي إنعاش قلبه فيضخ الحياة في أجهزة الجسم وتعود لذلك الإنسان حيويته.. وتحمل الأقدار للعلاقات الإنسانية ما لا يمكن التنبؤ به.. وقد تظهر مفاهيم الغفران والتسامح وعودة المحبة بين من تعقدت علاقاتهم وحل بينهم الغضب وساد عليهم الأسي.. وفي لحظة تحول الأقدار يتناسي الأصدقاء كل تلك المشاكل ويتسامحون ويغفرون.. ويطغي تاريخهم المشترك وذكرياتهم الجميلة علي تلك السحب المدخنة ليحكم حاضرهم مرة أخري.. وقد تعود الصداقة فترة أو تعود للأبد.. وربما تعود كما كانت أو أقوي مما كانت.. وتصبح الأقدار مقياسا لعودة العلاقات الإنسانية.. إذا انقشعت الغيوم في لحظات تدخّل القدر، ولم تتمكن أي سحب من أن تحجب شمس الصداقة الدافئة.. إذا جلبت لك الأحداث العصيبة أحبابك وأصدقاءك رغم أي غيوم كانت قد حلت بينكم.. ثق أنك قد شكلت أجزاء من تاريخ هؤلاء وأثرّت في حياتهم.. وثق أن تاريخك أنت أيضا لن يخلو منهم.