رجل ان التقيته مرة واحدة في عمرك يترك في نفسك ذكريات جميلة وأثارا عظيمة لا تمحوها الأيام. ورجال أو أشباه الرجال مهما كانت مناصبهم أو تعددت اللقاءات معهم تتمني ان تمحو من ذاكرتك صورهم قبل كلماتهم السقيمة.. التقيت عم محمود السعدني علي غير موعد، واسمينا اللقاء بلقاء الصينية السمكية. كنا قد ذهبنا لنادي الصحفيين النهري بالجيزة صيف 99، طلعت الطرابيشي والمرحوم سلامة مجاهد، علاء ثابت، وأيمن بدرة وآخرون كان معنا محترف التربيطات لكل الانتخابات احمد ثروت الجميع يتحدث عن انتخابات الصحفيين حيث كان من المرشحين ابراهيم نافع وحجازي وقلاش والصباحي ود. اسامة غزالي لكن عم محمود السعدني كانت له رؤي وقضايا مختلفة وحكاياته الساخرة، وقفشاته التي لا تباري لكنك دائما تشعر بعمق فكره، وقدررته علي جعل الآخرين منصتين لحديثه متعلمين منه فكلما هم أحد بالحديث أشار الي صينية السمك ذات الحجم الهائل والتوابل والصلصة بتحبيشاتها المتفردة. كان يدعو مريديه بكرمه البالغ الي طعامه المعد من صديق العمر الحاج ابراهيم نافع - رحم الله الجميع - لقد ظل ضيوف عم محمود يتناولون صينية السمك الشهية وتوابعها حتي الثالثة صباحا فيالها من ليلة ليلاء.. كان من أهم ما سمعت من عم محمود حكاية قليلة الكلمات مليئة العظات والعبرات حينما يقول عم محمود السعدني لقد خرجت علي الحدود بين الكويت والعراق ليلا حيث وضعت في سيارة، حاملا كل متاعي وآلامي، لا أعرف لي أي وجهة الا المجهول فهل هناك ضياع أكثر من هذا؟.. في هذه اللحظات.. الساعات تشعر بقيمة الوطن بدفئه الذي تفتقده، احساسك بأنك عار ليس فوقك سماء، ولا تحتك أرض.. فهل أحس أحد بهذه المشاعر وتلك الأحاسيس يوما أو فكر فيها عم محمود جعلنا نفكر دعك من أحاديث السجون والمعتقلات والتلفيقات والاتهامات والاستجوابات رغم قسوة كل هذه الامور ومرارتها لكنك ستجد من يؤنس وحدتك أحيانا، يربت علي كتفك يواسيك - ان استطاع - لكن ان تقف علي الحدود بين بلدين، تسمع في الاذاعات وتقرأ في الادبيات عن العروبة والاخوة والصداقات!! كل هذه الكلمات تسترجعها متلاحقات وأنت تقف وسط عواصف الريح هذا قليل مما سمعته من عم محمود السعدني لكنه يجمل ذلك في الجلسة بأن يحدثك عن هذه المآسي بكل سخرية وخفة ظل لا تباري لكنها تترك في نفسك أثارا بل أشجانا تجعلك متأملا دائما في معني الوطن وأحواله ولأن عمنا السعدني يمزج دائما بين الجدة والسخرية فقد سمعت من العمدة صلاح السعدني عن علاقة عمنا محمود بكرة القدم عامة والنادي الأهلي وصالح سليم بشكل خاص حكاية طريفة. ففي ستينيات القرن الماضي أراد رجال الحكم اعلاء شأن العمال والفلاحين واضعاف شأن البهوات في كل مناحي الحياة، وكان من اهمها الفن والكرة حيث اهتمامات الشعوب في كثير من الازمان والبلدان. وجاءوا بالمستكاوي الكبير، والسعدني ليعلبا من شأن الفرق الأخري علي حساب الأهلي والزمالك وهما بهوات الكرة. ولم يجد المستكاوي صعوبة فهو رياضي محنك فأطلق العتاولة والعناتيل علي الزمالك والأهلي واطلق الفلاحين علي فريق المحلة والدراويش والشواكيش وغيرها من المسميات التي وجدت صدي جيدا وانطلقت فرق الاقاليم وأبناء بحري تناطح فرق البهوات في القاهرة أهلي وزمالك وتحصل علي بطولات كانت جديرة بها في ذلك الوقت مثل المحلة والاولمبي والاتحاد السكندري والاسماعيلي الذي حصل علي بطولة الدوري عام 67 وسط معركة حربية بالاسماعيلية. أما محمود السعدني فقد اعتذر في البداية عن هذه المهمة التي اعتبرها قادة مصر مهمة قومية.. ثم عاد السعدني ليبحث عن حل فذهب الي النادي الأهلي وهو لا يعرف عن كرة القدم شيئا وسأل عن زعيم هذا الفريق الكروي فقالوا المايسترو صالح سليم، رآه السعدني يقف وسط الملعب يضع يديه في وسطه حيث اللياقة كانت أقل وكان صالح يوشك ان يعتزل أو يطالبه البعض بذلك.