كتب - حجت الله جودكي المستشار الثقافي الايراني الاسبق في مصر ببحث العلاقات الإيرانية المصرية خلال القرن الماضي، يمكن القول إن العلاقات بين البلدين منذ 1952 - ثورة الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر- حتي الوقت الراهن اصيبت بالتوتر الشديد بشكل دائم تقريبا. ولقد كانت العلاقات بين مصر وإيران جيدة جدا، في السنوات الخمس الأولي لاستلام أنور السادات مقاليد السلطة في مصر، لدرجة يمكن معها القول إن هذه الفترة كانت شهر عسل في تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية، إلي أن قامت الثورة في إيران. بمعني آخر انقطعت العلاقات بين البلدين منذ ما يقرب من 50 عاما أي مع قيام ثورة 1952. والمعروف أن نظام الملكية المصري كان قوي الصلة مع المعسكر الشرقي، ولهذا كان التوتر بين النظام مع الغرب وإسرائيل يتزايد يوما بعد آخر. والوضع في إيران لم يكن مختلفًا، فبعد الانقلاب الأمريكي علي حكومة مصدق، قويت العلاقات مع الغرب وإسرائيل بالتبعية، بعبارة أخري كان الشاه المخلوع حليف المعسكر الغربي. وهذا الأمر فرض علي إيران ومصر الدخول في مرحلة من التضاد. ومع احتدام الحرب الباردة بينهما وقعت بعض الأخطاء السياسية من الطرفين ضد صاحبه. علي سبيل المثال أعلن جمال عبد الناصر دعمه للمعارضة السياسية في إيران ووصل الأمر إلي درجة أن حصلت المعارضة علي دورات تعليمية عسكرية في مصر كتدريب للانقلاب علي الشاه. كما أعلن عبد الناصر رسميا دعمه للإنفصاليين العرب جنوبإيران، ولم يكن يتورع عن إمدادهم بالسلاح. ورغم التوتر السياسي بين ناصر والشاه، كان الشعب الإيراني يختلف مع حكومة الشاه في رؤيته لمواقف ناصر. فأعلن المفكرون والمناضلون الإيرانيون تأييدهم لمواقف ناصر المناهضة للإمبريالية والصهيونية. ولكن لاشك أن هذه النظرة اقترنت بها نظرة أخري ناقمة علي ناصر، خاصة حينما تم إعدام القيادي الإخواني سيد قطب. ومع استلام السادات للسلطة وميله إلي المعسكر الغربي توطدت علاقاته مع الشاه. ثم انتصرت الثورة الإيرانية وسيطر الخطاب الأممي علي السياسة الإيرانية الخارجية، وما رافقه من تطبيع في العلاقات المصرية الإسرائيلية، أصدر الإمام الخميني أمرا بقطع العلاقات مع مصر. ومنذ هذا التاريخ سيطر شبح الخصومة علي العلاقات بين البلدين، وبدأت المشاكل تتزايد بينهما. في البداية كانت المشكلة في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ثم التفاهم الكبير مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، بخلاف الكثير من المشاكل الأخري كإطلاق اسم خالد الإسلامبولي علي أحد شوارع طهران وتبادل الاتهامات بين البلدين. كل هذه العوامل كانت سببا في اصابة العلاقات بين البلدين بالتوتر إلي الآن. ورغم انقطاع العلاقات السياسية الإيرانية المصرية منذ ما يقرب من 50 عاما، كانت العلاقات الثقافية بينهما قائمة ولم تنقطع مطلقا. فقد كانت مناوشات أهل الثقافة في البلدين شيئا آخر، فكانوا في سعي مستمر لتجذير العلاقات بين البلدين بعيدا عن الصخب الإعلامي والصراعات السياسية. وكانت "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية" والتي اهتمت بالتعريف الصحيح للمذاهب الإسلامية وخاصة الشيعة والسنة، واحدة من ابرز الذكريات الباقية عن تلك الفترة. وجهود الشيخ محمود شلتوت ومحمد تقي قمي في تلك الفترة جديرة بالإشادة والثناء. فكان قمي مظهر للثقافة الإيرانية التي نشطت بالتعاون مع علماء الأزهر الشريف، وكان من ثمار هذا التعاون القضاء علي كل ما يثير الخلاف بين الشيعة والسنة. وتجدر الإشارة إلي أنه وقبل انتصار الثورة في إيران كانت الغالبية العظمي من القوي الثورية متأثرة بالمصريين. مثلا استلهم الدكتور شريعتي فكرة كتابه "كجا آغاز كنيم" أو "چه بايد - كرد" عن كتاب "من اين نبدأ" أو "من هنا نبدأ" للمؤلف خالد محمد خالد. مثال آخر يتمثل في ترجمة بعض كتب سيد قطب ككتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" إلي الفارسية ونشره عدة مرات في إيران قبل الثورة. في المقابل لم يتجاهل المصريون إيران في تلك الفترة التي اتسمت بانقطاع العلاقات السياسية، وترجموا الكثير من الكتب الفارسية إلي العربية. وحاليا يوجد في مصر 14 شعبة مستقلة تدرس اللغة الفارسية يحاضر فيها ما يربو علي ال 200 أستاذ و4000 طالب. كما نوقشت أكثر من 900 رسالة جامعية عن إيران. وقبل 14 عاما أنشأت مؤسسة الأهرام المصرية مركز أبحاث خاصًا بإيران بمشاركة 40 أستاذا، ويقوم المركز بإصدار دورية شهرية باسم "مختارات إيرانية" تهتم بترجمة جميع افتتاحيات الصحف الإيرانية. وتقدم مجموعة من الأبحاث الاستراتيجية المتعلقة بإيران. فضلا عن تقديم تعريف لإحدي الشخصيات الإيرانية المؤثرة المعروفة. بما يضع أمام المصريين صورة جيدة عن إيران. وعليه فالعلاقات الثقافية بين شعبي البلدين كانت قائمة باستمرار. ولكن للأسف لم يكن الجانب الإيراني يولي عناية كبيرة للأمر. وتوقف الأمر عند حد ترجمة بعض الأعمال دون اتخاذ خطوات جادة علي طريق التعرف إلي الفضاء الثقافي السياسي المصري. ولكن من المهم جدا أن نسأل كم رسالة جامعية في إيران نوقشت حول مصر؟ وللمصريين في إيران مكتب رعاية مصالح في طهران، ونحن أيضا لدينا في مصر مكتب رعاية مصالح. لماذا هم معنيون بالتعرف إلي إيران، وعندهم هذا الكم الهائل من المعلومات عن إيران، بينما نشاطنا في مجال التعرف إلي مصر ضعيف جدا. بالإضافة إلي هذا الجهل، تمثل الاستفادة من الأدب غير المناسب من جانب بعض المحافل والنشريات المتطرفة واحدة من أهم المشكلات في هذا الإطار. علي سبيل المثال صحيفة "روز اليوسف" في مصر ذات التوجه العلماني، تُعني بقذف إيران. والأمر كذلك في إيران حيث تعمد بعض الصحف إلي اتخاذ الموقف نفسه تجاه مصر. والكثير من السباب ناشئ عن جهل كلا الطرفين. وهذا الأمر يؤثر بشكل مباشر علي علاقات البلدين. من جانبه أعلن الرئيس أحمدي نجاد عام 2007 استعداده فتح سفارة إيرانية بالقاهرة في أقل من 24 ساعة في حال وافقت الحكومة المصرية. ولكن هذ الرؤية لم تكن بالقدر الكافي من الحرفية، أولا السفارة موجودة فعلا والقضية تكمن في ضرورة الارتقاء بمستوي العلاقات بين البلدين إلي ما فوق مكتب رعاية المصالح. ثانيا هذا العمل تعوقه بعض الموانع، ولم يتم القضاء عليها فإمكانية الارتقاء بمستوي العلاقات معدومة. أنا أتصور أنه لابد في البداية من توقف مسئولي البلدين عن افتعال ما يسبب توتر العلاقات. مثلا كانت فتوي المرشد علي خامنئي بحرمة التطاول علي زوج النبي (ص) جيدة ومؤثرة جدا، ويمكن أن تؤدي إلي حل واحدة من المشكلات التي تعوق تواصلنا مع العالم العربي والسني. والتأكيد علي هذا الموضوع من شأنه تحسين العلاقات. من ناحية أخري قد يكون الاتفاق علي عودة الخطوط الجوية المباشرة والذي تم التوقيع عليه مبدئيا قبل أيام مؤثر جدا لو تم تفعيله بشكل جيد. وبلا شك فسوف يتحتم حل أزمة التأشيرات، لأن مصر تضع الكثير من العراقيل أمام منح تأشيرات للإيرانيين. بل إن الدبلوماسيين الإيرانيين يجدون صعوبة بالغة في الحصول علي التأشيرات، وأحيانا يعزفون عن استصدار الفيزا. في المقابل علي إيران أن تمنح تأشيرات دخول للمصريين بكل سهولة. وعليه فإذا كان قرار عودة الخطوط الملاحية الجوية بين البلدين ذا أثر مفيد في تجذير العلاقات الثنائية بين البلدين، فلابد من اتخاذ بعض الإجراءات الأخري التي تتيح منح التأشيرات للطرفين بكل سهولة، لأن تمرير هذا الأمر من شأنه تسهيل العلاقات في المجالات الأخري. ترجمة - محمد بناية نقلا عن صحيفة أرمان - الايرانية