بالاستناد إلي مراجع رصينة لابن إياس وبدائع الزهور وابن بطوطة وتحفة النظار وعجائب الآثار والنجوم الزاهرة ومسالك الأبصار حتي ممالك الأمصار، فضلا عن الجبرتي، يبحث هذا الكتاب الصادر عن دار الفاروق في معمار وخطط "شارع محمد علي" بوصفه الشارع الذي يقع في منطقة تاريخية تعاقبت عليها عصور تاريخية مختلفة ويربط بين نسيجين عمرانيين مختلفين، فالأحياء الشرقية منه تمثل القاهرة القديمة، والأحياء الغربية تمثل المدينة الأوروبية، فضلا عن آثاره المعمارية العريقة. ولا يغفل مؤلفه د. العربي أحمد رجب الوقوف عند الدلالات غير الحميدة التي ترسخت في أذهان كثير من الناس عن هذا الشارع، بالرغم من الدور المهم لشارع محمد علي في الحياة السياسية، حيث كان ملتقي رجال السياسة والصحافة والأدب، مثلما كان له دور كذلك في الحياة الاجتماعية والفنية. وليس علي عكس المشاع من اقتران اسم الشارع بالعوالم وتجاهل المراحل والعصور التي مر بها. يركز الكتاب علي مفهوم الشارع بالنسبة للمدينة، والضرورة التي اقتضت شق مثل هذا الشارع، ومظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالشارع ومنشآتها، وينتمي ذلك البحث بحسب د. العربي إلي مجال دراسة الخطط وإنشاؤها الذي تفتقده مدينة القاهرة، خصوصا في فترة العصور الوسطي، بينما يوجد الكثير من هذه الدراسات خلال العصور الإسلامية. يقول المؤلف: "يلاحظ الدارس لتاريخ القاهرة أنها عانت قبل وصول "بونابرت" بسبب صراع الباشاوات وضعف الوالي التركي، وبالتالي لم يكن هناك من يفكر في تطوير القاهرة، وبمجيء محمد علي إلي الحكم بدأت القاهرة في الانتعاش مرة أخري". كانت ولاية محمد علي نقطة تحول مهمة في تاريخ مدينة القاهرة، لكنها مع ولاية إسماعيل اكتسبت بنيتها التحتية المتينة. وكانت من أفضل أعمال الخديو إسماعيل تعمير حي القلعة وقراره بشق شارع يصل بين العتبة الخضراء والقلعة وأطلق عليه اسم جده محمد علي. وقد تولي شق وتجهيز شارع محمد علي ديوان الأشغال الذي كان يشرف عليه علي باشا مبارك. وأصبح بذلك أول شارع عرضي ينشأ بالقاهرة، وألحقت به دار الكتب الخديوية، كما اشتهر بالفرق الموسيقية النحاسية كفرقة "حسب الله" الذي كان يعمل في موسيقي الحرس الخديوي ثم تركها وكون أول فرقة لموسيقي الأفراح. قيل إن تلك العبارة ذكرت عند افتتاح شارع محمد علي: "إن القاهرة مثل الزهرية التي انتصفت إلي شطرين ولا يمكن التحامها من جديد"، فقد فصل شارع محمد علي بين طرازين لمدينة القاهرة، طراز خاص بالمدن الإسلامية، التي تميزت بصياغتها السياسية والاجتماعية وتأثيرها بالتالي علي مضمون العمران بها، فضلا عن خصوصية مثل هذه المدن في تخطيط "الطرق"، وهي أكثر ما يميز شارع محمد علي، حيث تعكس مستويات الطرق مدي الترابط الاجتماعي الذي كانت تتمتع به المدينة الإسلامية. أما الأمر السيئ في نشأة هذا الشارع، فيشير إليه المؤلف عبر اضطرار الحكومة المصرية إلي هدم وإزالة العديد من المنشآت والعمارات والآثار الموجودة بالشارع، ورغم أنه قد تم تعويض أصحابها، إلا أن خسارة التاريخ أكبر بكثير. ومن هذه المنشآت والصروح التاريخية المهدمة جامع قوصون. لكن من الآثار المعمارية الباقية في الشارع: جامع الماس الحاجب الذي يقع عند تقاطع أول الحلمية، ومدرسة السلطان حسن وجامع المحمودية وجامع الرفاعي، وبعض الحمامات، وبالطبع دار الكتب المصرية التي أنشئت عام 1870، وأخيرا متحف الفن الإسلامي الواقع في ميدان باب الخلق في مواجهة مديرية أمن القاهرة، والذي أنشئ عام 1903 .