اتصور أنه قد آن الأوان لتجاوز انفعالية ردود الأفعال العاطفية والمنفعلة، التي تصاعدت وامتدت اثناء وبعد أزمة المواطنة المصرية كاميليا شحاتة، التي وقعت فريسة لصراع مكتوم بين قوي متطرفة هنا وهناك، زادها ذلك التلاسن الذي وقع مؤخراً بين أطراف ارادت ان تدخل ماراثون الرسائل الملغومة للشارع وهي تقدم نفسها باعتبارها الأكثر حمية ودفاعاً عن الدين والطائفة، تطلعاً لمغنم أو منصب في صراعها غير المعلن عليه، وإن كنت أري انهم قدروا فضحكت الأقدار بانقلاب السحر علي الساحر الذي تناسي أنه ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع. وقد تحققت اليوم صحة مقولة "رب ضارة نافعة" فقد تنبهت كل القوي الوطنية لخطورة ترك الأمور تسير علي علاتها، فسارعت الي قراءة الواقع بعيون مفتوحة، وبادرت الي عقد اجتماعات فورية ضمت العديد من مفكري وعقول الوطن وخرجت بتوصيات جادة تحمل علاجات حاسمة تحاصر الفتنة وتعيد للوطن تماسكه وتعيد الاعتبار لقيم ومبادئ مصر التي بها حفظت وحدتها ودعمت قوتها. كان من ابرز هذه التحركات الاجتماع الذي دعت اليه نقابة الصحفيين قبل أيام ضم الي جوار رؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة بعضاً من المفكرين، وتداولت الأفكار والرؤي بعيدا عن عيون الفضائيات لتمنحها مزيدًا من المصارحة والمكاشفة، وخرجت بتوصيات سرعان ما وجدت من يلتقطها من المسئولين ويفعلها. لعل من أهمها مواجهة قنوات التطرف التي تسللت الي المشاهد عبر القمر المصري النايل سات، وصدور قرارات حاسمة بإغلاق بعضها، ونأمل أن تتواصل الي أن تضع قواعد ملزمة وواضحة تحدد اطار عمل مثيلاتها وتنشئ آلية لمتابعة ورصد التزامها بهذه الضوابط حتي لا يحترق الوطن تحت زعم "حرية التعبير" والذي تحول فيها إلي "حرية التخريب"، ومازلنا ننتظر سن تشريع يجرم التعريض بالأديان وتجريح معتقداتها حتي تكتمل حلقة محاصرة ينابيع بث التطرف ومن ثم الإرهاب. وكان من الأفكار المطروحة علي مائدة الحوار الدعوة لإنشاء مجلس أعلي للمواطنة، يكون تابعاً مباشرة لرئيس الجمهورية، وله من الصلاحيات ما يتيح له رصد كل ما من شأنه المساس بمبدأ المواطنة الدستوري، وتعقب مصدره وتقديمه للجهات المعنية بالعدالة والتحقيق، واقتراح قانون أو قوانين تترجم هذا المبدأ الدستوري لتتحقق المواطنة في الشارع والديوان الحكومي ومؤسسات الدولة علي اختلاف طبيعتها ومستواها، وهو يأتي مكملاً للمجلس الأعلي لحقوق الإنسان وأكثر تلامساً مع المواطن المصري، علي ان يتم تشكيله من كل القوي الوطنية الفاعلة والمهمومة بالشأن الحقوقي ويغلب علي تكوينه عناصر المجتمع المدني ويمثل فيه كل الأجيال ليجمع بين خبرة السنين وحماس الشباب. ويقدم المجلس تقارير دورية شهرية عن ما رصده من تجاوزات وما اتخذه من اجراءات في هذا الصدد، وما يراه من توصيات للجهات المعنية، والمتابعات للتقارير السابقة، فضلاً عن تنظيمة لدورات تثقيفية تنويرية لترسيخ ثقافة المواطنة خاصة في اطار الجامعات والمدارس في مراحل التعليم قبل الجامعي، والمدعمة بطرح مسابقات للكتابة والبحث في هذا المجال والمشفوعة بجوائز وشهادات لمن يقدم افضل مقال وأفضل بحث وأفضل فكرة من هؤلاء الشباب، ومد سقف التميز والجوائز الي مربع الإنتاج الفني بكل اطيافه، أحسن قصة وأحسن فيلم وأحسن أغنية ، أو عمل تشكيلي أو موسيقي وغيرها من مجالات الإبداع، تتناول المواطنة وتعميقها، لنصل الي خلق مناخ عام يستوعب ويعيش ثقافة المواطنة. ويمكن التواصل مع رجال الأعمال المصريين المؤمنين بقضية المواطنة لدعم هذا النشاط، وكذلك الجمعيات المصرية المتبنية لهذا التوجه، وقد يتطور الأمر اكاديمياً فنشهد تأسيس أقسام علمية في الجامعات المصرية تتخصص في علم "المواطنة" وتصبح مكوناً أساسياً في كليات التربية والآداب والعلوم السياسية وغيرها من كليات الجامعة. فنخلق اجيالاً تدرك قيمها ومن ثم تكون أقدر علي ترجمتها الي واقع معاش، ولعل هذا يؤكد ما كنا نقوله دوماً أن الإصلاح يبدأ فكراً والتنوير والتنمية كذلك.