لا أحد يستطيع أن ينكر أن الشيوخ السلفيين الذين طلوا عبر فضائيات التطرف خلال السنوات الماضية والذين لعبوا دور البطولة فى أزمة «كاميليا شحاتة» منذ أشهر قليلة هم بلا شك متهمون ومسئولون مسئولية شبه كاملة عن تفجيرات الإسكندرية التى شهدناها الأسبوع الماضى وما تلاها من مظاهرات وأحداث عنف واضطرابات. خطابهم التحريضى بل الطائفى كان هو المحرك الأساسى للمظاهرات التى خرجت فى الشوارع تطالب بالإفراج عن «كاميليا» بعد زعم هؤلاء الشيوخ أن الكنيسة احتجزتها كى تردها عن إسلامها المزعوم . ولكن كانت مفارقة بالنسبة لنا أن يكون من بين العاملين فى هذه القنوات إعلامى لديه موقف من رسائل العنف والطائفية تلك وأعنى هنا «هانى الديبانى» الباحث والإعلامى الذى عمل مع تلك القنوات الدينية منذ بدايتها وشاهد تحولاتها والتغيرات التى طرأت على رسالتها. «هانى» يعمل الآن مذيعا ومدير برامج بقناتى «الخليجية» و«الصحة والجمال» المملوكتين لشركة «البراهين» التى يملكها رجلا الأعمال السعوديان «ناصر كدسا» و«على سعد» مع الأخذ فى الاعتبار أن تلك الشركة تملك 3 قنوات أخرى هى «الناس» و«الحافظ» و«البركة» التى تم إيقافها فى .2008 مع الأخذ فى الاعتبار أن عمله فى «الخليجية» لا ينفى تجربة عمله فى القنوات الأخرى ومن ضمنها «الناس». * لا نبالغ إذا قلنا أن القنوات الدينية التى ظهرت فى السنوات الأخيرة مسئولة بشكل أساسى عما حدث أليس كذلك؟ - دعنى أقل أنى أحمل الخطاب الدينى عبر الفضائيات مسئولية تهيئة المناخ للاحتقان الطائفى. وهنا أتحدث عن ظهور نوعية من الخطاب الدينى التحريضى من جانب القنوات المسيحية والإسلامية، بينما وقفت الدولة كالمتفرج ولم تتدخل إلا بعد أن انتشر وزادت وتيرة الاحتقان الطائفى وهو تدخل تأخر كثيرا. بل إننى كنت أود أن يكون التدخل مبكرا بتعديل المسار وإصلاح طريقة العمل والأداء الإعلامى فى القنوات الفضائية عموما. * ولكنى أتصور أن إشعال الفتنة الطائفية بتلك الصورة لم يكن رسالة أو هدف هذه القنوات فى بدايتها أليس كذلك؟ - نعم لم تكن رسالة هذه القنوات منذ نشأتها الدخول فى صراعات عقائدية من قريب أو بعيد ولكن فجأة وبعد اشتعال تلك الصراعات نتيجة لما حدث فى الشهور الأخيرة انزلقت بعض هذه القنوات عبر بعض العاملين بها فى فخ الخطاب الطائفى، وأغلب الظن ان هذا تم بسبب عامل من عاملين، الأول هو قيام بعض العناصر باختراق تلك القنوات لعمل الفتنة، ثانيا أن يكون ذلك قد تم لصنع مجد شخصى لمن يقومون بعملية الرد سواء كانوا مذيعين أو شيوخا. خاصة أنه فى الفترة الأخيرة تعالى صوت التشدد وكلما تشددت أصبحت مرغوبا ومقربا من الناس وزاد راتبك بلا شك. * من وجهة نظرك متى كانت بداية هجوم القنوات الدينية الإسلامية على المسيحيين؟ - البداية كانت بعد موضوع «كاميليا شحاتة». كاميليا كانت الشرارة فى الأحداث الأخيرة وأيضا بعد تصريحات الأنبا بيشوى. وقتها بدأ الخطاب الدينى لهذه القنوات يصبح إقصائيا بشكل كبير والإقصاء هنا لم يعد للآخر بل حتى لتيارات وفصائل إسلامية. وهذا كله حدث عندما جلس الشيخ على كرسى المذيع والذى لابد أن يتسم بمواصفات ودلالات معينة. ؟ فى نظرك من كان الشيخ الأكثر حدة أثناء أزمة «كاميليا»؟ - أتصور أنه كان «خالد عبدالله» فى برنامجه «سهرة خاصة» على قناة الناس لأن وتيرته لم تكن متوازنة وردوده كانت من الممكن أن تؤجج الصراع فى أى لحظة لأن تناوله لما يحدث كان طائفيا وليس مهنيا. ولكن يمكننى القول أن الكل فى هذه الأزمة،سواء كنا نتحدث عن الشيوخ الكبار أو الصغار، حرص على الظهور حتى لا يكون غائبا حيث تعاملوا معها باعتبارها المعركة التى لا يجوز التغيب عنها لأن الغياب فى تلك اللحظة كان سيعد خيانة. * ولكن أين القائمون على هذه القنوات.. هل كانوا راضين عما يحدث؟ - لا لم يكن القائمون على هذه القنوات راضين عما يحدث أو عن هذه الردود التى خرجت بذلك الشكل الطائفى ولكن بعض الشيوخ أصبحوا أقوى من أصحاب القنوات نفسها. * ولكن هناك أشخاصا يتحملون مسئولية إدارة هذه القنوات أليس كذلك؟ - غابت الرؤية الإعلامية فتاهت معها المسئولية وهذه حقيقة علينا الاعتراف بها. لم يكن هناك رؤية واضحة بكثير من تلك القنوات. بل دعنى أقول أن الشيوخ والدعاة أصبحوا مراكز قوى داخل بعض القنوات حتى أصبح الكثير منهم أقوى من أصحاب القنوات أنفسهم. ورغم أنه من المفترض أن نكون مسئولين كمديرى برامج مثلا مسئولية كاملة إلا أن دورنا كان يقتصر فقط على التعاقد مع شيخ ما ومن ثم إيجاد موعد بخريطة البرامج لبرنامج هذا الشيخ أو الداعية. ولم يكن مسموحا التعامل مع برامج الشيوخ بشكل مباشر وبالتالى كنا نكتفى بالإشراف على البرامج الحوارية والاجتماعية. * لماذا لم يكن مسموحا لكم بذلك؟ - يمكنك القول أن برامج هؤلاء الشيوخ كانت برامج فوقية بمعنى أنه لم يكن لأحد أن يتدخل فى برنامج الشيخ أو يتناقش فيما يطرحه أو يقوله أى أن كلامه أصبح مقدسا. * سؤال يفرض نفسه بقوة.. ما الذى دفعك لأن تواصل عملك بهذه القنوات خاصة أنه حتى من قبل الأزمة وخطابها الدينى يعانى من أزمة؟ - لقد عملت مع هذه القنوات منذ بدايتها وما يجعلنى مصرا على البقاء هو الرغبة فى الإصلاح، فقد أحسست بخطورة الكلمة وأهمية الإعلام فى إصلاح المجتمع، خاصة أنه أصبح أقوى سلاح فى العالم بدليل أن الآلة الإعلامية اليهودية هى التى تحكم الإعلام. يمكنك القول أنى حريص على أن أجاهد فى سبيل إصلاح هذه القنوات وتعديل مسارها.