كان صديقي كاتب القصة القصيرة الكبير سعيد الكفراوي يحدثني في التليفون عن الأدب، ثم أخذنا الحديث الي غير الأدب وسألني: - هو مين اللي بيوزع الأرزاق؟ قلت: - ربنا قال: - اقصد في مصر يعني قلت ضاحكاً: - في مصر بصراحة مش عارف. قصدك يعني رجال الأعمال اللي بياخدوا الأرض بملاليم ويبيعوها بملايين؟ قال: - لا. انا باتكلم في الأدب يعني والكتابة. يعني مثلا لما رئيس تحرير جرنال يقبض خمسين ألف جنيه غير البدلات والعطايا ويقول لك هات لي قصة انشرها لك ببلاش. قلت له ما تديلوش. ريح دماغك قال: - طيب لما مقدم برامج ياخد مليون أو نصف مليون في الشهر قاطعته وقلت: - متهيألي ميت ألف بس يا سعيد. قال - اقصد في رمضان بالذات. وبعدين يجيب جميع الضيوف من لعيبة الكورة والفنانين والسياسيين ويديهم فلوس ولو جاب اديب واتكرم عليه يديله سي دي بالحلقة وبعدين لما يقفلوا البرنامج يقولوا عليه مناضل هو فيه مناضلين في تاريخ البشرية قبضت فلوس من الحكومة. ضحكت طبعا وقلت له: - بس دي برامج في تليفزيونات خاصة. مستقلة يعني زي الصحافة المستقلة. قال علي طريقته البديعة - الله! هو فيه صاحب قناة مستعد يقف ضد الحكومة. قلت له - بس القنوات فيها حرية ياسعيد اكتر من تليفزيون الحكومة. قال: - لكن حرية بموافقة الحكومة وهوب فجأة كفاية كده عليكم، وكله عارف ده من الأول، يبقي إيه لازمة الصريخ والكلام عن الديكتاتورية. ما هو من الأول معروف أنه كله لعب وأهي برامج الناس بتبسط بيها ويناموا مرتاحين والصبح تلاقي الدنيا زي امبارح. وعلي فكرة في برامج الحكومة برضه بيندفع ملايين لناس وملاليم لناس تانية ويهاجموا برامج الحكومة علشان في تليفزيون الحكومة كأن التليفزيون الخاص بعيد ولا تبع احزاب سرية. - قلت له والمشكلة انك لو قلت كده حيقولوا عليك خاين ومش وطني وانت لا قبضت من هنا ولا من هنا. قال: - والأخوة إلي اتقفلت برامجهم قبضوا ملايين وحيلاقوا شغل برضه بملايين في حتت تانية. احنا ليه ما بنقولش الحقيقة أن الأخوة دول ولا غيرهم كانوا أو مازالوا بيشتغلوا بموافقة الحكومة وليهم خط أحمر الحكومة قررت أنها تنزله تحت شوية أو تلغيه. وكله عارف كده من الأول. قلت له: - عارف يا سعيد. المشكلة أن احنا في زمن الميديا. يعني وسائل الإعلام بقت أهم من الثقافة والصحافة أهم من الأدب والفكر ودا مايزعلش الادباء ولا المفكرين. هو بس ينقط ويجيب الحسرة. لكن الغريب هو ان المعارضة تكون بالميديا. اللي هي في ايد الحكومة. عارف مثلا الفيس بوك عليه آلاف المعارضين ويمكن ملايين وبيعتبروا ما دام كتبوا علي الفيس بوك عملوا اللي عليهم. - يعني لا معارضة ولا يحزنون - معارضة جديدة. زي البرامج .في الهواء. بس ببلاش. - انت لازم تكتب الكلام ده - حاضر. - بالمناسبة انت فاكر أول قصة نشرتها في حياتك كانت فين وبكام. - طبعا ودي حاجة تتنسي. كانت في مجلة المجلة اعظم مجلة أدبية في مصر والوطن العربي وكان رئيس التحرير الناقد العظيم المرحوم الدكتور عبد القادر القط. وساعتها اشتريت بيهم بدلة هيلد واتعايقت بيها في الجامعة. كنت طالبا. - طيب ولما بتنشر قصة دلوقت بتجيب بدلة هيلد - انا من زمان ما باحبش البدل ياسعيد واسكت بأه. - حتكتب اللي اتكلمنا فيه؟ - حاكتبه. - وتسأل مين اللي بيوزع الارزاق في مصر - حاضر. بس ما حدش ح يقولي. - أهو اسال وخلاص ويمكن تعرف. وإذا عرفت قول لي. وضحكنا طبعا. وكتبت كما ترون لكن لم اخبره أنه سيكون طرفا في الحوار كما جري بالضبط.