أحيانا يستبد اليأس بالمرء فيحول بينه وبين أحلامه وحياته ومستقبله.. وقتها يحتاج ليد تنتشله من هاويته إلي سطح الحياة فتنزع عنه الخوف وتمنحه الدفئ والأمان تقسو أحيانا وتحنو أحيانا وبين هذا وذاك حزم يعيد صياغته من جديد.. تجمعت تلك المشاعر في إمرأة واحدة أخذت علي عاتقها مسئولية أن تقود قافلة لعلاج الإدمان في مصر لذا أطلق عليها ابناؤها لقب تعتز به ألا وهو "أم المدمنين". إنها د. سهير لطفي أستاذ علم الإجتماع بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والتي تروي لنا قصتها مع مكافحة الإدمان فتقول البداية كانت عندما تولت منصب رئيس المركز القومي للبحوث الإجتماعية عام 1996 وبعد مرور عام علي تعيينها كلفت بأن تكون رئيسة لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان في نهاية 1997 وبدأت في إعداد خطة عمل لمواجهة مشكلة الإدمان والتعاطي فعلي مستوي التوعية أعدت بروتوكول تعاون مع الوزارات والمحافظات والجهات الرسمية والجامعات وخطة عمل ميداني تسير بشكل متواز مع التوعية وكان المواطنون وقتها يصابون بحالة من الذعر لسماع كلمة مدمن فكانوا أشبه بالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال ولكنها رفعت شعار لهذه الحملة بعنوان أعرف عدوك وحاربه". ومن هنا كانت بداية حملات التوعية داخل المحافظات بدأتها ببرنامج أسبوعي علي مستوي كل محافظة ثم شهر تلاه عدة برامج خلال الأثنا عشر شهرا في كل محافظات الجمهورية استغرق الأمر فترة قبل أن تستجيب كل محافظة بمسئوليها للحملة حتي السنة الأولي ولكن بعد ذلك اختلف الأمر وصارت كل محافظة تطالب ببرنامجها الخاص لمكافحة وعلاج الإدمان واتسعت قاعدة المشاركة من الأسر والمؤسسات المدنية والشباب وبدأت الأسئلة في كل منزل تتردد كيف نتعرف علي المدمن وكيف نتعامل معه فلو ابلغنا عنه أضعنا مستقبله ومن هنا كان لابد أن نعد كل أسرة لاحتواء مريضها وعلاجه في محيطها وهو الخط الموازي لمرحلة التوعية العلاج الإكلينيكي والعلاج النفسي والدليل علي نجاح برنامجي التوعية والعلاج استجابة الأسر والمرضي للخط الساخن بعد أن كان عدد المستعلمين عنه من المرضي مريض كل يومين صار 400 مكالمة يوميا. وتضيف د.سهير مرضي بأن الإدمان ثلاثة انواع تتدرج بين مجرب وأخر يتعاطي في المناسبات وصولا للأدمان وفي جميع حالات الإدمان يبدأ بسيجارة ويمر بتعاطي الحشيش والكيماويات كالعقاقير والأفيون وأخيرا الهيروين الذي يتمكن من الجسم في 6 أسابيع في حين يحتاج الجسم للتخلص من المواد المخدرة إلي عامين. وفي عام 2003 بعد انتهاء مدتها في رئاسة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان أسست د.سهير المركز المصري لمكافحة الإدمان وبدأت بتطبيق برامج تدريبية للأفراد المعنيين بمكافحة الإدمان من الإخصائيين النفسيين ورجال الدين ورجال النيابة العامة والمدرسين ورجال الجمارك وكل من له سلطة التعامل مع مدمن في موقعه كذلك طبقت د.سهير نظاماً جديدا لعلاج المدمن في حضن أسرته بحيث تكون شريكاً في تجربة العلاج إلي جانب المستشفي وطبيبه النفسي فتسمح للمريض بزيارة أهله من 3 إلي 4 ساعات في الأسبوع وباقي الأسبوع بين طبيبه ومركز التأهيل.. والأهم من هذا وذاك بعد ان يتعافي المريض يجب دمجه في المجتمع المدني وفي هذا الصدد تذكر موقفاً لأحد المحافظين عندما تم شفاء أحد المرضي اوجد له فرصة عمل تتناسب مع مؤهله أما بالنسبة للزواج فيمكنه ممارسة حياته الطبيعية بعد عامين وبعد ان يحصل علي وظيفة تؤهله لتحمل مسئولية اسرة. ولليوم العالمي لمكافحة الإدمان الموافق 26 يونيو طقوس خاصة لدي د.سهير حيث تقدم فيه كشف حساب عن حصاد العام وإنجازات برامج التوعية والعلاج خلاله وتقييمها ويتم الاستفتاء عن أفضل مسلسل وأفضل برنامج إذاعي أو تليفزيوني عالج هذه القضية ومناقشة خطة السنة المقبلة وهي تذكر أن وزير الأوقاف احتفاء بهذا اليوم جعل موضوع خطبة الجمعة في المساجد عن مكافحة الإدمان. وعن التكريمات التي حصلت عليها د.سهير تقول منذ عام 1996 وحتي الآن حصلت علي تكريمات من وزارات ومؤسسات أهلية مدنية علي مستوي محافظات مصر لكن أعظم تكريم حصلت عليه من أبنائي المتعافين من الإدمان عندما يزورونني في المناسبات والأعياد ويحملون الزهور فضلا عن اللقب الذي منحني إياه أبناء محافظة الإسكندرية وهو يرتبط بحادثة طريفة عندما كنت أقدم دورة تدريبية في سيدي بشر ورأها مجموعة من الشباب مع د.عادل صادق وأشاروا إلي قائلين "هي دي الست اللي بتعالج الإدمان هي دي أم المدمنين وهو اللقب الذي يسعدني ويشعرني بالإنجاز الذي حققته».