سيظل لبنان يعيش علي صفيح ساخن، فما كاد يخرج من أزمة إلا ويعود لأزمة جديدة، وهذه الأيام يعيش اللبنانيون في حالة ترقب لما ستسفر عنه المباحثات الجارية ما بين بيروتودمشق، فيما يتعلق بقضية «شهود الزور» الخاصة بمقتل رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق عام 2005.. ففي الرابع من أكتوبر الحالي أصدرت سوريا مذكرات توقيف «اعتقال» غيابية بحق 33 شخصا بتهمة تضليل المحكمة الخاصة بلبنان التي تحقق في قضية اغتيال الحريري، وقد أمر قاضي التحقيق الأول في دمشق بإصدار المذكرات بعد تجاهل استدعاءات متكررة للشهود.. وشملت المذكرات قضاة لبنانيين وقادة سياسيين وإعلاميين، ومن بينهم المدعي العام الألماني ديتليف ميليس الذي رأس المراحل الأولي من تحقيق الأممالمتحدة في قتل الحريري. تأتي هذه الأحداث في أعقاب الانفراج في العلاقات السورية- اللبنانية بعد المصالحة التاريخية التي جرت ما بين الرئيس بشار الأسد، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي تمت في دمشق في التاسع عشر من ديسمبر الماضي، التي اعتبرها البعض أنها جزء من المصالحات العربية الجارية قبل أي شيء آخر، وخطوة من خطوات المصالحة السعودية- السورية التي بدأت في قمة الكويت الاقتصادية مطلع العام الماضي، والدليل علي ذلك أنه ليس هناك أي فريق لبناني، غير الحريري كان علي إطلاع علي مجريات تلك المصالحة، وعلي التواصل السعودي- السوري في شأن إتمام الزيارة نفسها وإنجاز المصالحة. وقد تحدث بعض المراقبين في هذا الشأن عن تراجع الحريري في علاقته بدمشق، وأشار البعض الآخر إلي أن ثمة متضررين من تنامي هذه العلاقة يقفون وراء التسريبات، وأن الاتصالات مستمرة بين الحريري والرئيس بشار الأسد مباشرة وعبر قنوات مختلفة، وأن آخر اتصال بينهما «كان قبل عدة أيام وجاء بمبادرة من الأسد» .. وبدا لاحقا أن هذا التوضيح لم يكن يعني عدم وجود مآخذ سورية وتباينات في المواقف في أماكن مختلفة، ولا يعني في الوقت نفسه عدم المضي قدما في العلاقة الجيدة والمتطورة مع القيادة السورية التي بدأت من خلال «المصالحة التاريخية»، وقد عبر الحريري شخصيا، وفق بعض نوابه، عن إصراره علي عدم التراجع عن هذه العلاقة حتي بعد صدور مذكرات قضائية سورية في حق 33 لبنانيا. كذلك الأمر فإن دمشق، بلسان سفيرها في لبنان حرصت علي الفصل بين الخطوة القضائية السورية، والعلاقة «بين الرئيس الحريري وسوريا».. لكن ذلك لا يعني في أي حال أن الخطوة لم تكن سمتها الأساسية رسائل سياسية سورية قوية إلي الحريري، وربما أبعد، وقد تزامنت مع وجوده في زيارة مفاجئة للمملكة العربية السعودية.. وأبسط سؤال ممكن أن يطرح في هذا الصدد هو: «هل المذكرات القضائية السورية كانت لتصدر لو أن علاقة الحريري بالقيادة السورية تسير علي ما يرام ووفقا لما اتفق عليه في اللقاءات الخمسة الطويلة بين الأسد والحريري في ظل تكريم رئاسي سوري وآخرها كان في 30 أغسطس الماضي؟ ومهما يكن من أمر الخطوة السورية، فإنها شكلت صدمة حقيقية بكل معني الكلمة.. وعلي الرغم من ذلك يمكن أن تتحول إلي صدمة إيجابية إذا خلصت النيات عند الجميع.. ولم ينس اللبنانيون مذكرات مشابهة كان أبرزها تلك التي صدرت في حق رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط. لن نسبق الأحداث ولننتظر لما تحمله الأيام المقبلة، لا سيما بعد أن تم طرح الموضوع الأسبوع الماضي علي رأس جدول أعمال الحكومة اللبنانية، وتشكيل لجنة لدراسة المذكرة وفقا للاتفاقية القضائية الموقعة بين البلدين.. أيضا في ضوء التحركات التي يقوم بها حزب الله في مواجهة المحكمة الدولية، وتهديده بالانتقام من كل اللبنانيين حال توجيه أي اتهام لأي من أعضاء الحزب. من ناحية أخري، تأتي زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المقرر القيام بها إلي لبنان يومي 13، و14 أكتوبر الحالي، وسط حالة من الجدل السياسي، حيث أعلنت كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل قلقهما البالغ تجاه هذه الزيارة التي وصفها البعض بأنها قد تعني بأن لبنان قد تصبح قاعدة إيرانية علي أبواب إسرائيل، لا سيما أن الزيارة قد تشمل إلي جانب لقاء القيادات السياسية اللبنانية، لقاءات أخري مع مسئولين في حزب الله قد يكون من بينهم الأمين العام حسن نصر الله.. وقد أعلنت بعض قيادات الحزب أنه في حال زيارة نجاد للجنوب، سوف يجري له استقبال شعبي حاشد، كما سيقوم بزيارة لمواقع الحدود اللبنانية- الإسرائيلية.. أيضا سيقوم بزيارة «معلم مليتا للسياحة الجهادية»، الذي يضم أسلحة وعتادا وبقايا دبابات وآليات إسرائيلية غنمها مقاتلون من حزب الله، خلال معارك مع جنود إسرائيليين. لبنان.. تعيش هذه الأيام في مفترق طرق، نرجو أن تعبره بسلام.