حينما أعلن سعد الحريري رئيس وزراء لبنان ان الاتهامات التي وجهت لسوريا علي خلفية اغتيال والده رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق لم تكن مبنية علي أي أساس من الحقيقة وانما اعتمدت علي شهادات مزورة ضللت المحكمة الدولية والرأي العام اللبناني اعتبر المراقبون ذلك بمثابة اعتذار لدمشق مما قد يفتح الباب علي مصراعيه لتحسن العلاقات بين البلدين الشقيقين وخاصة بعد التفاهم السعودي السوري الذي توج بزيارة خادم الحرمين عبدالله بن عبدالعزيز لدمشق واصطحابه الرئيس بشار الأسد في زيارة للبنان. واضح ان هذا الاتجاه التصالحي لم يرق لكثير من القيادات اللبنانية المنضوية تحت لواء ما يعرف بتحالف 14 آذار كما لم يرق لكثير من الجهات الاقليمية والدولية التي خططت وشاركت وغذت الانقسامات اللبنانية اللبنانية بهدف تنفيذ مؤامرة اقليمية دولية تتجاوز حدود وامكانيات هذا البلد الصغير فبدأ العمل فورا لضرب وافساد هذا التفاهم السعودي السوري الذي كان من الممكن أن يتم البناء عليه لإنهاء الخلافات اللبنانية اللبنانية لو صحت النيات. بشكل أو آخر تم تسريب ما مفاده ان المحكمة الدولية المشكوك أصلا في مصداقيتها والتي تأكد انها مسيسة تماما بعد اعتراف سعد الحريري بالشهادات المزورة بصدد اصدار قرار باتهام عناصر من حزب الله باغتيال رفيق الحريري فقامت القيامة من جديد واشتدت حرب التصريحات والتصريحات المضادة وبات لبنان في انتظار ما هو أسوأ كل ساعة وليس كل يوم مما قد يهدد بانفجار يأكل الأخضر واليابس وقد يمتد إلي ما هو أبعد من لبنان. حزب الله ورفقاؤه من تحالف 8 آذار يصرون علي محاكمة شهود الزور المعروفين بالاسم ومن وراءهم حتي تتكشف تفصيلات المؤامرة ضد سوريا وحلفائها في لبنان بينما يصر الطرف الآخر 14 آذار علي أن تمضي المحكمة الدولية في طريقها المرسوم لتصدر ربما بعد أيام ما يعرف بالقرار الظني ضد عناصر من حزب الله. سوريا من جانبها أصدرت مذكرة توقيف قانونية شملت شهود الزور وكثيرا من القيادات اللبنانية وقضاة في المحكمة الدولية ممن تتهمهم بالضلوع في فبركة هذه الشهادات المزورة وأبلغت ذلك بشكل رسمي للحكومة اللبنانية والانتربول الدولي اعتمادا علي القانون الدولي والاتفاقيات القانونية بين دمشق وبيروت وهكذا وصلت الأمور إلي حد ينذر بعواقب وخيمة لا يعرف مداها إلا الله تعالي بدلا من أن تنفرج الأزمة علي خلفية التفاهم السعودي السوري والزيارات الكثيرة التي تبادلها المسئولون في كل من سوريا ولبنان. الآن أصبح في حكم المؤكد ان ما يسمي بالمحكمة الدولية ستصدر قرارها المنتظر باتهام عناصر من حزب الله باغتيال الحريري وسط تأييد من 14 آذار وحلفائه اقليميا ودوليا وبات من المؤكد أيضا ان حزب الله وحلفاءه في الداخل والخارج لن يقفوا مكتوفي الأيدي ازاء هذا الاتهام الذي يصدر من محكمة مشكوك في مصداقيتها باعتراف سعد الحريري نفسه وهو ما يؤذن بالانفجار. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: إذا كانت هذه المحكمة ومن وراءها يريدون الوصول للحقيقة فعلا فلماذا لا يؤجل اصدار مثل هذا القرار لحين الانتهاء من التحقيق مع شهود الزور ومن وراءهم علي اعتبار ان الاتهام الجديد ربما يكون مبنيا كسابقه علي هذه الشهادات المفبركة وربما تتضح ابعاد جديدة للموضوع كله وخاصة ان الأمين العام لحزب الله كان قد قدم قرائن كثيرة تشير إلي اتهام اسرائيل باغتيال الحريري وهو احتمال قائم وله ما يدعمه علي أساس ان اسرائيل هي صاحبة المصلحة الأولي فيما يجري بلبنان وخاصة ان لها عملاء كثيرين داخل لبنان يأتي في مقدمتهم بعض الذين حوكموا وأدينوا بتهمة العمالة لاسرائيل ومنهم زعماء كبار ممن يلعبون دورا فعالا في الأحداث الجارية. الإجابة المباشرة هي ان مثل هذا التحقيق ربما يفتح باب جهنم علي كثيرين ممن يلعبون دور البطولة في المشهد اللبناني الحالي وهو ما لن يسمح به هؤلاء ومؤيدوهم في الداخل والخارج. ان فريق 14 آذار بقيادة سعد الحريري واقع الآن بين خيارين كليهما مر بل قاتل فإما أن يتسق مع الحقائق التي اعترف بها زعيمه ويقبل بإجراء التحقيقات اللازمة حول شهادات الزور واما ان يتجاهل ذلك كما يفعل الآن ويصر علي استمرار المحكمة الدولية المشكوك في مصداقيتها فيصدر قرار الاتهام ضد عناصر من حزب الله فتقوم القيامة التي قد تدمر لبنان ليثبت يومئذ ان ما يحدث فعلا هو المشهد الأخير من المؤامرة الاسرائيلية المدعومة من حلفائها دوليا لأن تدمير لبنان بكل تأكيد ليس في مصلحة أحد سواها. يقع العبء كله الآن علي قيادات وطنية متفق علي وطنيتها من الطرفين أمثال الرئيس ميشيل سليمان فهل يستطيع هؤلاء اطفاء النار المشتغلة وإنقاذ لبنان أم ان الوقت قد فات نتمني أن يكون الاحتمال الأول هو الممكن فعلا.