يمكنك ان تقرا اولا الحلقه الاولى (صدمات صحفيه) تعلمت في وقت مبكر كيف يمكن أن تصدمك الصحافة ومتغيراتها.. كانت الصدمة بمقياسي كشاب مستجد مهولة.. أقيل رئيس التحرير الذي أعمل معه في الأحرار.. رحم الله محمود عوض.. ولم أنتبه وقتها إلي أنني درست في كلية الإعلام مناهج تاريخية عميقة، تشير إلي وقائع مدوية تعرض لها صحفيون كثيرون علي مدي تاريخ المهنة في مصر.. «روزاليوسف» نفسها أغلق حزب الوفد لها صحيفتها اليومية في 1934.. تلك التي أعدنا إصدارها في عام 2005.. بل إنني كنت قد بدأت مسار حياتي المهنية في مؤسسة هي نتاج أزمة كبري تعرض لها أصحابها.. أي روز اليوسف ..أو ليس تأميم صحيفة خاصة أزمة كبيرة؟ كشباب قليلي الخبرة.. حين تعترضنا أزمة، فإننا نظن أن الحياة لن تكتمل.. ونعتقد أن دوران الأرض سوف يتوقف.. العمق التاريخي وصلادة التجارب لا يكونان قد صنعا في داخلنا رصيد الخبرة.. وشيئًا فشيئًا ومع تكرار الانتكاسات أدركت أن من طبيعة الصحافة أن تصل بك إلي نقطة تعقيد صعبة.. ليس شرطًا أن تصطدم بالسلطة كي تدرك هذا.. المواقف التي تقود إلي مشكلات موجودة بنيويًا في نسيج الصحافة.. ولا يمكن الفكاك منها. مرة.. أخطأت في طريقة التعامل مع مؤتمر دولي كبير عقد في مصر سنة 1990، وأبعدت عن تغطيته بساعات.. ولم أكن أعرف السبب.. أظنني ذهبت إلي المؤتمر بحذاء خفيف ورياضي ولم يكن شكلي لائقًا فأثرت شكوك المنظمين.. فأبلغوا الجريدة التي أعمل معها وسحبتني.. دون أن تشرح لي.. وتعلمت من وقتها أن لكل مقام مقال ولكل مناسبة ما يليق بها. ومرة ألقي القبض علي في أمن الدولة بالجيزة، حيث بقيت سبع ساعات في قبو لا أنسي ظلمته لأنني انتهكت تأمين جامعة القاهرة وقد كانت تستعد لاستقبال الرئيس في اليوم التالي لحضور مؤتمر تطوير التعليم عام 1988.. وكنت أقصد تغطية المؤتمر.. وعبر بي إيهاب مكرم محمد أحمد مساه الله بالخير من المأزق.. وكان وقتها ضابطًا في أمن الدولة. ومرات عديدة وجدت فرصة عملي الإضافية تضيع من بين يدي لأن من أعمل معه طرد.. أو لأن تقليص الميزانيات قد أطاح بفرق العمل.. وذات مرة تعرض أخي عمرو كمال لأزمة حياته بسبب جريدة الدستور.. إذ كان يتدرب في الأهرام الرياضي التي فتحت أبوابها فجأة لكل الصحفيين الذين لم يكن لديهم عمل بعد إغلاق جريدة الدستور عام 1998.. وأخذ قرار الأستاذ إبراهيم نافع بإبعاد الجميع العاطل في الباطل... فضاعت فرصة عمرو.. وابتأس.. لكنه الآن صحفي رياضي مهم ومرموق ومعد برامج مميز بلا مجاملة في دار أخبار اليوم. الحياة تسير.. ودروسها كثيرة.. لكن أهم درس تعلمته كان في روزاليوسف.. ذلك أننا بيت صحفي كان مرتبطًا باليسار في السبعينيات.. هنا صنع العظيم الرائع الراحل الأستاذ صلاح حافظ واحدة من أعظم إنجازات الصحافة.. إلي درجة أن المجلة كانت توزع قبل أن تجلد في غلاف، وينتظرها الناس علي أبواب المطبعة.. لكن الصحافة المختلفة التي قدمتها المجلة حينئذ اختلطت بالسياسة.. الخلفيات اليسارية والتنظيمية للصحفيين ضغطت علي المهنية.. ما أدي إلي سهولة تحريض الرئيس السادات ضد المجلة.. فقرر أن ينزع منها اليسار قسريا.. وكلف رئيس تحرير جديدًا بهذا. هذه السنوات كانت مهمة جدًا ليس في تاريخ روزاليوسف فقط، ولكن في تاريخ الصحافة.. والسبب أن أغلب من عاصروا تلك الحقبة كانوا عمليا قيادات التطوير في المهنة في مختلف صحف مصر.. العقيدة التي نشأت وقتها هي أن الدولة ضد أي عمل صحفي مماثل.. وصار كثير من الصحفيين ينتظر أن تقع له انتكاسة بسبب الصدام مع الدولة.. بل يمكن القول بوضوح إن فينا من يسعي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. مقصودة أو غير مقصودة.. إلي هذا الحتف.. خصوصًا في صحافة الرأي والموقف.. فيصطنع الملابسات التي تقود إلي هذا. ما أسميه (عقدة السادات) احتاجت «روزاليوسف» أن تنتقل بين ثلاثة رؤساء تحرير وربما ثلاثة أجيال كي تتخلص منها.. لكن المعني رسب في قاع مخ الخبرات.. والمعني المتخيل هو أن الدولة ضد الصحافة.. وأن هناك وقتًا سوف تنهدر عنده الحرية.. وأننا نسرق واقعنا.. ولهذا فإنه سوف يأتي من يقبض علينا في لحظة ما.. وأشرف لمن سوف يتم إلقاء القبض عليه أن يكون ذلك وهو بطل شهيد ولا غير ذلك. للمسألة أصول أخري، بعض منها له علاقة بالسادات، منها مثلا ما يروي من جانب محمد حسنين هيكل عن أزمته مع السادات.. وهي الرواية السائدة لأن السادات لم يرو بالطبع ما لديه عن أسباب دعته إلي إبعاد هيكل من موقعه الأهرامي في عام 1974.. ومنها كذلك ما وقع لمصطفي أمين في عصر عبدالناصر.. وقد كان علمًا ونجما وانتهت به الحال ربما بسبب هيكل نفسه إلي أن اتهم بالتجسس.. بل إن الرئيس عبدالناصر نفسه كان هو المسئول عن اضطهادات لأيقونتنا العظيمة الراحل الأستاذ إحسان عبدالقدوس. لقد خلقت هذه الوقائع التاريخية تراثًا من التجارب التي كانت لها ظروفها وملابساتها.. لكن المعضلة هي أن الأجيال التالية تحلم بأن تكون إحسانا أو مصطفي.. ومن ثم فإنها تعتقد أن عليها أن تخوض صراعًا مع الدولة كي تضع اسمها في تاريخ الصحافة.. وحتي لو كان عبدالناصر قد رحل.. وحتي لو كان السادات قد استشهد.. فإن فينا من يسعي إلي افتعال ناصره وساداته.. وتقديم نفسه علي مذبح البطولة. وهذه قصة أخري نكملها يوم الأحد. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]