للمرة الثانية، وقد لا تكون الأخيرة، تقوم قناة CNN الأمريكية خلال أشهر معدودات بفصل واحد من كوادرها الإعلامية.. لا لقصور في الأداء، ولا لتدني في الشعبية، ولا لمحاولته كسب أرضية جماهيرية علي حساب المحطة، ولا لقيامه باستغلال شهرته من أجل كسب مادي.. ولكن لأنه سمح لنفسه بانتقاد مذيع آخر (تصادف أنه يهودي) وقال عنه إنه متعصب.. ومن ثم بات الاتهام جاهزاً والعقوبة حاضرة: معاداة السامية وعقوبتها الفصل والإبعاد. والقصة الجديدة بطلها مذيع يعمل في المحطة من أصل كوبي، اسمه ريك سانشيز، تمت استضافته في أحد البرامج، وسئل عن رأيه في مذيع ما، فقال إنه "متعصب"، قيل له ولكنه: يهودي، وهم أقلية مثلك، فقال: اليهود ليسوا أقلية، وهم يتحكمون في الميديا.. وأكثر من يعمل في الCNN يهود، أو لهم ميول إيجابية نحوهم.. عبارات بسيطة، يمكن أن تسمعها في أي مكان، ولكنها كانت كفيلة بإثارة اليهود ضده.. امسكوا بهذا المذيع فهو معاد للسامية.. اخرسوا هذا المذيع فهو يشكك فيما نحاول أن نرسخه لدي الرأي العام الأمريكي.. اقتلوا هذا المذيع أو اطرحوه أرضا .. أو افصلوه لأنه تجرأ علي إحدي "الابقار المقدسة" في الإعلام الأمريكي.. وهو بالفعل ما تم.. حيث تم فصله من المحطة. وقد تكون هذه القصة شبيهة إلي حد كبير بقصة توماس هيلين الصحفية الأمريكية الشهيرة، ذات الأصول اللبنانية، والتي تم إجبارها علي تقديم استقالتها من مجموعة «هيرست» الصحفية.. وكان سبب تقديمها لاستقالتها، وسبب الهجوم الكاسح الذي تعرضت له في الميديا الأمريكية هو أنها قالت كلمتها بصدق.. سألها أحد الحاخامات اليهود: ما تعليقك علي دولة إسرائيل؟ فأجابت: علي اليهود أن يرحلوا عن فلسطين، وأن يعودوا إلي البلاد التي رحلوا عنها... منتهي الصدق من جانب هيلين، ومنتهي القسوة من جانب "بلد الحريات" الأمريكية.. ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً، نشرت أوكتافيا نصر رئيس قسم الشرق الأوسط في شبكة CNN علي موقع تويتر للتواصل الاجتماعي عبارة نصها "يحزنني سماع خبر وفاة السيد محمد حسين فضل الله أحد عمالقة حزب الله الذين أكن لهم احتراما كبيرا". وهذه الجملة كانت سبباً في إقالتها علي وجه السرعة من وظيفتها التي عملت فيها لمدة تزيد علي العشرين عاماً.. لم تدع أوكتافيا إلي إزالة إسرائيل من الوجود وأن يعود الإسرائيليون من حيث أتوا، كما عبرت زميلتها هيلين توماس، وإنما كل ما فعلته هو أنها عبرت عن حزنها لوفاة مرجعية دينية شيعية! قديماً قالوا: "من يدفع للزمار أجرته يحدد له اللحن"، واليهود يدفعون بسخاء للزمار الأمريكي، واليهود يسيطرون بقوة علي "المزمار" نفسه.. فليس غريباً بعدها أن تكون كل "الألحان" تنويعات علي نغم واحد.. وأن يكون "النشاز" هو من يخرج علي المقام اللحني، حتي وإن كان علي صواب.. هذه هي الديمقراطية الأمريكية يا سادة.. وعلينا وعليكم السلام.