يشير القرآن الكريم إلي أن خلق آدم وذريته تم علي مراحل في حياة ذلك الجنس من المخلوقات التي اصطفي الله منها آدم وزوجه، فالله قد خلق جنس آدم (آباءه الأولين) من الطين، كما نص عليه القرآن الكريم في العديد من المواقع، ويشير القرآن الكريم كذلك إلي أنه قد كان لذلك الجنس سلالات كثيرة من النسل، اختار الله من تلك السلالات سلالة بعينها اصطفي منها آدم وزوجه، أما ذرية آدم أي نسل آدم نفسه هو وزوجه فخلقهم الله من طور جديد غير الطور الذي خلق منه آدم وزوجه، فآدم وزوجه تم اصطفاؤهما من سلالة من تلك السلالات الكثيرة التي كان منها جنسه الوحشي الحيواني الذي كان موجودا في الأرض من قبل. أما ذرية آدم فلم يصطفوا من تلك السلالة وإنما خلقوا من صلب آدم ومن رحم زوجه بعد التطوير الذي أدخل علي خلقتي آدم وزوجه، فخلق الله ذريته من ماء مهين، أي من المني الذي يخرج من صلب آدم، وهذا يدل علي وجود فجوة خلقية أو تمايز خلقي بين آدم وزوجه وبين ذريتهما، هذه الفجوة أو ذلك التمايز يكمن في طبيعة الخلقة التي تم تطوير آدم عليها من بين بني جنسه، وفي طبيعة خلقة ذريته التي جاءت من ماء مهين قد خرج من صلب آدم، وهذا ربما يدعو إلي القول إن هناك تمايزاً ما بين طبيعة خلقة آدم وزوجه وطبيعة خلقة ذريته، وقد نص القرآن الكريم علي أن الإنسان الحالي ليس من جميع ولد آدم وليس من جميع نسله، بل القرآن الكريم نص علي أن آدم كان له من نسله سلالات كثيرة اختار الله من كل تلك السلالات سلالة واحدة هي من بقيت إلي الآن، والعلم والبحث في الأرض والنظر كفيل بكشف ذلك والتحقق منه. أما برهان ذلك فما ورد في الكتاب، قال تعالي :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ) (13 المؤمنون). والفعل (سل) يدل علي نزع وخروج شيء من شيء، وهي مِنْ سَلَلْتُ الشيءَ من الشيءِ أي استَخْرَجْتَه منه، كسل السيف من الغمد، وسل الولد من الأب، وقيل للولد سليل. وجمع سليل: سلالة، وسلالة علي وزن فعالة وهو بناء للقلة كالقلامة والقمامة، وكان العرب يسمون الذرية سلالة، والسلالة في الآية الكريمة هم ذرية من جنس المخلوقات التي خلقها الله من طين حيث كانت لها سلالات كثيرة اختار الله من تلك السلالات سلالة واحدة تلك السلالة اصطفي الله منها آدم وزوجه، وليس المقصود بالسلالة عينة من الطين كما قال المفسرون، فكلمة سلالة لم ترد في كلام العرب ولا في القرآن الكريم إلا لمجموعة من الناس والذرية، ومن غير الصواب بل ومن الخروج علي النص والمعلوم القول إن السلالة هي الطين نفسه أو جزء منه، إنما السلالة هي سلالة من ذرية خلقت من الطين انسل منها آدم وزوجه. ومن الأشياء التي تم تغييرها وجعلها في آدم أن نسله جُعِل من سلالة من ماء مهين، قال تعالي: (وَبَدَأَ خَلق لإِنْسَانِ مِن طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مَّاء مهِين) (8 السجدة). أي جميع نسل آدم جعل من سلالة من ولد آدم، تلك السلالة جعلت من ماء مهين، وهذا يدل علي أن آدم وزوجه خلقا من سلالة خلقت من طين، ونسل آدم خلقوا من سلالة من سلالات ولد آدم خلقت من ماء مهين. وهذا يكشف لنا معلومة مهمة كما سبق أن قلنا وهي أن مكونات خلق آدم وزوجه تختلف عن مكونات خلق ذريته، فمكونات خلق آدم وزوجه كانت من سلالة من طين، ومكونات خلق نسله كانت من ماء مهين بعد تعديل آدم وتسويته ونفخ الروح فيه. (للحديث بقية)