هل النفس الواحدة التي خلقنا الله منها هي نفس آدم كما يظن معظم الناس؟ لقد جاء في القرآن الكريم أن الله خلقنا من نفس واحدة وخلق منها زوجها وجاء هذا في عدة آيات منها: «يا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً» (1_ النساء). «وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ» (98_ الأنعام). «خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا» (6_ الزمر). نلحظ أن كلمة (نفس) في الآيات جاءت نكرة، وجاء وصفها بواحدة نكرة كذلك، وزوجها جاءت نكرة كذلك، (نفس، واحدة، زوجها) مما يبرهن علي أن تلك النفس ليست هي آدم وإنما هي نفس أخري خلق الله منها آدم وزوجه، وعبارة (من نفس واحدة) يراد بها جنس من الخلق وليس شخصا مفردا بعينه، وبرهان ذلك أن كلمة نفس جاءت نكرة والنكرة تفيد العموم ما يعني أننا لم نخلق من نفس واحدة مفردة ولكن من جنس واحد منفرد له أفراد كثيرون خلق الله منهم آدم، فلو كانت النفس الواحدة التي خلقنا الله منها هي آدم كما يفهم البعض لما جاءت نكرة في الآيات الأربع إذ لا معني للتنكير مع معرفتنا وعلمنا بآدم، أما وقد جاءت نكرة فهي لا تعني آدم علي الإطلاق لأن النكرة تفيد غير المعين وغير المعروف، وهل آدم غير معين وغير معروف؟، ويدل ذلك علي أن آدم خلق من أحد أفراد جنس تلك النفس الواحدة من ذكورها، وكذلك زوجه أو من تسمي ب(حواء) خلقت من جنس تلك النفس الواحدة من إناثها، وليس من ضلع آدم كما يقول القائلون بغير علم. إذن هل هي نفس واحدة منفردة؟ أم نفس واحدة يراد بها جنس من الخلق له أفراد كثيرون؟ الجواب: هي نفس واحدة يراد بها جنس واحد منفرد من الخلق له أفراد كثيرون ولدي عدة براهين، منها. قوله: «خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها» لقد ذكر الله نفس واحدة يريد بها جمع من النفوس يحتويه جنس واحد منفرد له أفراد كثيرون، بدليل أن الله ذكر كلمة نفس نكرة مفردة في مواضع كثيرة من الكتاب وأراد بها الجمع، ومثله قوله تعالي: «فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِي لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْينٍ» (17_ السجدة). «وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ» (70_ الأنعام). «يقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَق» (68_ الفرقان). «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَي أَرْضٍ تَمُوتُ» (34_ لقمان). «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ» (16_ ق). «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ» (18_ الحشر). «عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَت» (14_ التكوير)، ومن المعلوم أن كلمة نفس النكرة المفردة الواردة في الآيات السابقة ليس المقصود منها نفس واحدة مفردة بعينها، وإنما قصد منها جمع من النفوس وليس نفسا واحدة، وكذلك كلمة نفس النكرة المفردة المذكورة في آيات الخلق لا يعني بها نفسا واحدة مفردة بعينها وإنما عني جمع من النفوس من جنس واحد مفرد له نفوس كثيرة متعددة، ويدل علي ذلك ورود بعض الآيات عن الخلق ذكرت نفوس عدة وأزواج عدة كقوله تعالي: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجا» (72_ النحل). «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا» (21_ الروم). «فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً» (11_الشوري). وليس هناك ما يمنع أن يكون لآدم إخوة وأخوات وأعمام وعمات وأخوال وخالات لهم أزواج وزوجات لهم بنين وبنات أي أسرة كاملة ثم تطويرهم مع آدم وزوجه وكان آدم وزوجه هما رأس هذه الأسرة، ويدل علي هذا قوله تعالي: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً» (38_ البقرة). والعلم والنظر والسير في الأرض كفيل أن يثبت الصواب من الخطأ. للحديث بقية