"الحقيقة السبئة وعمق صلتها بالفكر الشيعي" كتاب صادر عن مكتبة مدبولي لليبي د. عبد الله مليطان رئيس هيئة الكتاب السابق، ويتناول بالدراسة الفلسفية الفكر السبئي، مؤكدا وجود عبد الله بن سبأ وأن بعض أفكار الشيعة من دسائس ابن سبأ ومكائد اليهود، ومدي تأثير تيار السبئية في الفكر الإسلامي من خلال ما طرحه هذا التيار من أفكار هدامة تضرب بجذورها في عمق العقيدة الإسلامية. يدلل الباحث علي أن إنكار وجود عبد الله بن سبأ وتأثيره البارز علي مسرح الأحداث سياسيا وعقائديا، يعد محاولة لإبعاد التهمة عن اليهود في إثارتهم للفتن والنزاع بين صفوف المسلمين، كما أن المغالاة في إنكاره من قبل الشيعة المعاصرين يثير الشكوك والشبهات في اتصال الأفكار الشيعية بما طرحه ابن سبأ من أفكار، مشيرا إلي أنه ليس هناك ما يمنع من القول بأن بعض الأفكار التي يتبناها الشيعة كانت من دسائس ابن سبأ في الفكر الإسلامي. عبد الله مليطان هو أيضا أستاذ الفلسفة والحضارة الإسلامية بجامعة الفاتح الليبية، ويقدم من خلال كتابه هذا محاولة للإجابة من العديد من التساؤلات، موضحا في تقديمه للكتاب أنه في ظل ما يشهده عالمنا اليوم من صراعات مذهبية خطيرة، وتأزم في الأفكار وخلط في الرؤي والمفاهيم، فإننا ملزمون بألا نعيش خارج دائرة الصراع، ولا بمعزل عما يدور حولنا، واستبطان من المستفيد الأول مما يجري. وللوصول إلي النتائج السليمة، بحث المؤلف في مسألة الحوار بين الحضارات وما صاحب ذلك من تفاعل وتلاقح بين الثقافات الإنسانية، وفي شخصية ابن سبأ ذاته، وهل هي شخصية حقيقية كما قال بها المؤرخون القدامي، أم أنها أسطورية لا وجود ولا أساس لها من الصحة، كما قال بذلك آخرين أمثال طه حسين وغيره؟ ثم ينتقل إلي البحث في المشكلات التي أثارها ابن سبأ في الفكر الإسلامي، والتي أدت إلي إحداث هوة كبيرة بين الشيعة وأهل السنة في بعض القضايا، ناهيك عن خلافهم في حقيقة وجوده أصلا، ففي الوقت الذي يري فيه بعض أهل السنة أن مذهب الشيعة مستمد من فكر ابن سبأ الذي هو امتداد لأفكار يهودية، يري الشيعة أنه مختلق أصلا، وذهب البعض إلي أنه خليقة أهل السنة كيدا في الشيعة، ثم ينتقل المؤلف في فصل خاص إلي ظاهرة "التأليه" في فكر ابن سبأ، مناقشا حجج الباحثين العرب والمستشرقين في ذلك. في المقابل يحلل المؤلف عضو اتحاد المؤرخين العرب الأفكار السبئية والمعتقدات التي طرحتها، وهل هي تنطلق من فكر ابن سبأ أم أنها أفكار ومعتقدات وآراء نسبت إليه زورا، أو أنه تبناها فقط؟ وهل كان لها أثر في غيرها من الفرق الاسلامية؟ ومدي هذا التأثير إن وجد، مؤكدا أن السبئية التي تظاهرت في بداية الأمر بالتشيع لعلي، صارت أشد معارضة له ورفضا لخلافته، بل تجاوز الرفض إلي المقاومة والمواجهة بشكل علني مستخدمة كل إمكانياتها من الوسائل العسكرية للدخول في حرب معه وتأليب المعارضين لسياسته وإشعال نار الفتنة فيما بين معارضيه. اللافت.. إشارة الكتاب إلي الصلة القوية التي تربط بين السبئية والماسونية في المنهج الذي اعتمد سرية التخطيط، والرجعية وفكر الوصية، بالإضافة إلي الإشارة إلي الخلايا والتيارات التي شكلت امتدادا للسبئية ممثلة في "الشعوبية والباطنية والسبتائية"، تلك الحركات التي اضطلعت حديثا بما اضطلعت به السبئية قديما مع اختلاف المظاهر والأفكار أحيانا. يري صاحب تلك الدراسة التي استغرقت ثلاث سنوات أن عملية تواصل الحضارات لا تنتج التأثير والتأثر المطلوب بين الثقافات، وعليه تحول الحوار بين الثقافات إلي مسلك آخر "اختراقا بشعا يستهدف المسخ والتخريب"، أصبح الحوار مجرد قناع خفي لتبني الأيديولوجيات والمصالح السياسية والغزو الثقافي. ومن بين أهداف الحوار الخفية، تقويض الإسلام وتخريبه، واستقطاب العملاء العنصريين الحاقدين لممارسة أبشع أنواع التخفي والتستر والتدليس تحت غطاء ممارسة الشعائرالإسلامية، أو باسم "الإصلاح والتطهير"، وهو ما يتضح في السبئية التي تعد نموذجا لتلك العناصر التي تسللت إلي الثقافة العربية الإسلامية بقناع الإسلام، حاملة أيديولوجية أخري تمثلت في أفكار وآراء لم تكن مألوفه لدي العرب والمسلمين، وذلك بهدف إحداث تخريب للثقافة العربية والدين الإسلامي من الداخل. في خاتمة الكتاب يصل المؤلف إلي قناعة أن ابن سبأ كان مزدوج النشاط سياسيا وثقافيا، إذ حرض علي الخليفة عثمان رضي الله عنه، حتي أتي علي مقتله ليظهر بعد ذلك بنشاطه الواضح علي المسرح السياسي والثقافي معا داعيا إلي خلافة علي، وليبث من خلال دعوته تلك عدداً من تلك الأفكار التي برزت فيما عرف بالسبئية، وسارت نحو تخريب الثقافات الإنسانية العربية والفكر الإسلامي.