إذا كنت من أصحاب القلوب الرهيفة، ولا تتحمل ما يدمي القلب قبل العين فلا تقرأ هذا المقال.. في المقال قصتان محزنتان جدا جدا.. طفلان صغيران يلقيان حتفيهما بشكلين مأساويين.. كل علي حدة ولكنهما يلتقيان في سخرية أقدارهما التي أودت بحياة كل منهما.. هل تعتبر هذا حادثا قدريا أم إهمالاً شديداً؟ فتحة في وسط أرضية كوبري الساحل فوق نهر النيل، وإضاءة الكوبري ليست كافية في ظلام الليل لرؤية هذه الفتحة التي تبلغ مساحتها 40 في 80 سم الأم تسير بالرضيع علي يدها واليد الأخري ممسكة بيد طفلها الأكبر ذي العشرة أعوام (محمد)، وفجأة يختفي الطفل من يدها ولا يظهر له أثر لأنه ببساطة قد ابتلعته تلك الفتحة ليسقط مسافة 17 مترا في النيل وتنتهي حياته.. المصيبة أن الأم لم تتمكن من رؤية ما حدث واعتقدت في ظلام الكوبري أن ابنها سقط في حفرة ولكنه ما زال في مكان ما بأسفل الكوبري إلي أن جاء أحدهم وأخبرها بالحقيقة بعد أن تمكن من رؤية الفتحة النافذة مباشرة إلي النيل!! صحيح أن النائب العام قد تحرك بسرعة وأن المسئولين الذين يتبادلون الاتهامات كما هي العادة سيمثلون للتحقيق أو هم ماثلون له الآن.. ولكن ما الفائدة؟ وقد اختطف الولد كما نقول في لغتنا العامية علي سبيل الاستعارة في وصف الموت.. إذا اعتبرت هذا قضاءً وقدراً أو حادثاً مأساوياً بسبب الإهمال غير المتعمد، فما رأيك في (أحمد) الذي أنهي حياته خوفا من عقاب المدرسين؟ أحمد الذي يعيش في الإسكندرية مع أسرته ويبلغ 12 عاما، وخبراته السابقة مع المدرسة تصيبه بالخوف والرعب من شدة عقاب المدرسين، لا يرغب في الذهاب للمدرسة في الصف الأول الإعدادي.. نصب لنفسه حبلا في سقف غرفته لينهي به حياته بطريقة مأساوية هو الآخر وتدخل أمه الحجرة فتجده قد فارق الحياة.. هل هذا أيضا حادث إهمال أم هو قضاء وقدر؟ من يستطيع أن يلوم هذا الطفل المذعور علي ما فعله بنفسه؟ من المسئول عن هذه الحوادث المتكررة التي تزيد نسبتها كل يوم؟ في أواخر مارس الماضي وبالتحديد يوم 29 مارس كتبت عن (مصطفي) الذي كان في مثل عمر أحمد وقام بإنهاء حياته بالطريقة نفسها.. ولا أصدق أنني وبعد خمسة شهور أكرر أنها مسئولية مجتمع بأكمله.. لا يدرك قيمة الطفل والطفولة.. لا يقوم بتوعية كل من سيصبح أبا وكل من ستصير أما.. لا يضع الدراسة والتفوق الدراسي في حجمهما الصحيح، بل يعتبرها النجاح الأوحد في حياة الطفل.. لا يكتشف إمكانيات وظروف ونفسية كل طفل ويتعامل معه في البيت والمدرسة علي قدر ما يستوعب ويتحمل.. كتبت لمصطفي وأكرر لأحمد، ومحمد: (إنني متألمة من أجلكم ومن أجل أسركم وأعدكم ألا أتوقف عن الكتابة عنكم وعن الأطفال الضحايا مثلكم حتي يتوقف المجتمع عن إهمال تلك الحوادث الجسيمة)..