في الحلقة السابقة حدثنا السفير لوسيوس باتل في السنوات الأولي من ستينيات القرن الماضي عن سعيه بعد وصوله إلي الحصول علي مبني يكون مقرا لسكن السفير بدلا من المبني المؤجر، وهي قصة طريفة حدثت خلالها مواقف مضحكة تستحق الاشارة إليها، كان هناك مبني معين استرعي انتباهه فهو تقريبا نسخة طبق الأصل من منزل ريفي فرنسي من القرن الثامن عشر، علي الأقل من الخارج، لكنه في الداخل علي الطراز العربي ما يحتويه من غرف جميلة مربعة وكبيرة في نفس الوقت. كان المنزل بالقرب من السفارة الفرنسية علي النيل ومقام عليه حاليا فندق فورسيزونز علي النيل بدأ السفير في التحري عنه وقيل له أنه ملك لمدام غالي التي تقيم فيه وهي أرملة تزوجت من وزير خارجية مصر السابق الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء، كانت تقيم بمفردها، وكانت فرنسية المولد وتنوي العودة إلي فرنسا بعد وفاة زوجها، في أحد الأيام كانت تقوم بالجولة الأخيرة في حديقة منزلها وفجأة لاحظت صندوقا من الكرتون وراء إحدي الأشجار. سألت البستاني الذي كان معها أن يبعد الصندوق، ولكن قبل أن يفعل ذلك رأت لدهشتها أنه كان يحتوي علي طفل حديث الولادة، لم تكن قد رزقت بأطفال وهو أمر كان يقلقها كثيرا ولذلك شعرت أن هذا الطفل هو هدية السماء إليها وإشارة ربانية لها بالبقاء في مصر وهو ما دفعها إلي اتخاذ قرار بعدم مغادرة مصر وأن تبقي فيها لرعاية هذا الطفل الصغير. أصبح السفير باتل صديقًا مقربا لمدام غالي التي أخبرته أنها تريد بيع المنزل ولكنها تحتاج إلي عملات صعبة من أجلها و«ابنها» وكانت تريد أن تعرف ما إذا كانت الحكومة الأمريكية علي استعداد لشرائه، أخبرها السفير أنهم لا يستطيعون ذلك لأنه غير قانوني كما أنه يتعارض أيضا مع مبادئ الحكومة الأمريكية. وفي النهاية سألته عما إذا كان علي استعداد لشراء المنزل بعد موتها وسيقوم محاميها بالحضور لمقابلة السفير علي الفور. في مساء أحد الأيام كان السفير بمفرده جاءت مديرة منزله تقول إن محاميا يونانيا يطلب مقابلته، عند مقابلة هذا الشخص علي باب السفارة قال إنه محامي مدام غالي التي كانت توفيت في ذلك اليوم. كان السفير قد تلقي من قبل موافقة الخارجية الأمريكية علي شراء المنزل، ولذلك استدعي المسئول الإداري ومحامي السفارة للقدوم علي الفور، وأمكنهم في النهاية اقناع المحامي بدخول السفارة حيث لم يكن يرغب في أن يشاهد وهو يدخل السفارة الأمريكية. تم توقيع اتفاقية الشراء خلال دقائق قليلة. وفي اليوم التالي أخذ نسخة منه إلي الخارجية المصرية وظن أنها ستتولي الانتهاء من هذه العملية، وهو ما لم يحدث، أولا لم يتم تبني الطفل الذي عثرت عليه مدام غالي في الحديقة لأنه طبقا للقانون المصري حينئذ لا يمكن لسيدة بمفردها وغير متزوجة أن تتبني أحد الأطفال، ولهذا فإنها جعلت الجنايني يتبني هذا الطفل، كان هناك أناس كثيرون يعتقدون بالفعل أنه طفل هذا الجنايني، وعلي أية حال فإن الطفل كان يعامل كما لو أنه من الأمراء وكان يقيم أساسا مع مدام غالي، وحينما كان السفير يزورها فإن الطفل كان يتواجد باستمرار مع مربيته الخاصة. وبعد وفاتها نشرت الصحف المصرية قصة تقول إن السفير الأمريكي قد ابتاع المنزل مقابل سبائك من الذهب الخالص، تم القبض علي المحامي اليوناني ونشرت صور له وهو يحمل لفائف عديدة من الذهب مع الادعاء أن السفير هو الذي سلمها له وعثر عليها تحت سرير هذا المحامي، لمدة يومين علي حد قول السفير كانت فضيحة في الصحف إذ اتهم فيها السفير أنه يحمل في تنقلاته سبائك من الذهب، بعد ذلك اتصل به السفير اليوناني لسؤاله عما سيفعله من أجل حماية المحامي، إجابه باتل أن المحامي ليس مكلفا من قبله ولكنه يمثل ورثة مدام غالي، ولهذا فإن الأمر يتعلق بالحكومة اليونانية لحماية رعاياها. لم يوافق السفير اليوناني علي ذلك قائلا أنه قد تم اتهام المحامي باتمام صفقة مع الحكومة الأمريكية. بعد ذلك اتصل به السفير الفرنسي ذاكرا أن هناك بعض السيارات التابعة لهم في حديقة المنزل منها سيارتان فرنسيتان كانتا تستخدمان في نقل القوات الفرنسية في الحرب العالمية ولذلك فإنها ملكية فرنسية حيث إن مدام غالي هي التي أهدتها إلي السفارة الفرنسية قبل وفاتها، وهو يريد من السفير الأمريكي أن يؤكد أنه سيحفظ حقوقه فيما يتعلق بذلك، أخبره السفير أن الولاياتالمتحدة لا علاقة لها بسيارات التاكسي هذه حيث لم تدخل ضمن قائمة الممتلكات التي نص عليها عقد الشراء. وليس للسفارة الأمريكية علاقة بأي ممتلكات شخصية قد تكون قد تركت ولذلك يجب التعامل مع المحامين في هذا الصدد. أصر السفير الفرنسي قائلا أن الأمر يرجع للسفير الأمريكي لضمان قيامه باستلام هذه السيارات، رد عليه السفير الأمريكي أنه لن يقوم بأي إجراء من جانبه وعليه - أي السفير الفرنسي - أن يتصل بورثة مدام غالي. كانت عمة مدام غالي وعمها قد حضرا من باريس ولم يكونا يتحدثان الإنجليزية وانتقلا إلي المنزل. كان المنزل مملوءا بتحف جميلة جدا مثل الأنتيكات المصرية القديمة والسجاجيد إلخ. وكلها وهبت طبقا لوصية مدام غالي إلي العمة والعم اللذين دعيا السفير لشراء بعض هذه الأشياء. أخبرهما السفير باتل أنه يحب بالفعل أن يشتري بعض هذه التحف ولكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك حتي يحصلا علي الموافقة علي بيعها وأن يكون أحد الموظفين المصريين إلي جانبه وهو يشتري كل قطعة. وأخيرا اتصل به العمة والعم وأخبراه أن ممثل الضرائب المصرية موجود وهما علي استعداد لبيع القطع التي يرغب فيها. قام السفير باتل بشراء قطع وتحف بمبلغ ألفي دولار لازال بعضها في حوزته حتي الآن في الولاياتالمتحدة، كما لا يزال يحتفظ بفاتورة الشراء موقعة من ممثل السلطات المصرية. القصة طريفة ويستمر في روايتها لنا في حلقة قادمة السفير باتل. *أمين عام الجمعية الأفريقية