حدثنا السفير الأمريكي بالقاهرة لوسيوس باتل في حلقة سابقة عن عملية شراء مقر لسكن السفير بالقاهرة وما مر بهذا الموضوع من طرائف سواء في معاملاته مع السلطات المصرية أو مع عدد من السفراء الأجانب في مصر حول عملية شراء مبني معين، إذ يقول إنه بعد أسابيع من ذلك حدث شيء فظيع، فقد قام بعض ضباط البوليس أو الجيش المصري بالانتقال إلي المنزل والاستيلاء عليه بالرغم من أنه كان محاطا بلافتات من كل الجهات تقول إنه ملك الحكومة الأمريكية وكان العلم الأمريكي يرفرف علي المبني. المنزل كان قانونا في حوزة السفارة ولكنها لم تكن قد حصلت بعد علي صك الملكية. قامت القوات بإنزال العلم الأمريكي وكل اللافتات. طلب السفير الخارجية المصرية محتجا قائلا إنه سينتظر ردا منها يفيد بانسحاب هذه القوات، وكان للسفارة مندوب عنها مقيم في الفيللا، في النهاية هربت العمة والعم «صاحبا المنزل» إلي السفارة الفرنسية المجاورة، وهو ما أدي إلي اتصال السفير الفرنسي به مرة أخري لسؤاله عما يمكنه أن يفعل تجاه هذا «الغزو»، بعد مرور ساعة اتصلت الخارجية المصرية وأبلغته بأن كل اللافتات الخاصة بالسفارة كانت مربوطة بعضها ببعض بواسطة أسلاك ولهذا سقطت علي الأرض. سأل السفير ممثل الخارجية المصرية عما إذا كانت كل اللافتات قد سقطت جميعها في نفس الوقت، وهو ما تم تأكيده للسفير، وفضلا عن ذلك فإن العلم الأمريكي لم يرفع علي المبني بواسطة ممثل السفارة. ولكن في النهاية تم سحب القوات ورفع العلم وأعيدت اللافتات مرة أخري. عندما ترك السفير القاهرة في مارس 1967 كان مصير المنزل ما يزال معلقا. بعد حرب يونيو 1967 وأثناء توتر شديد في العلاقات المصرية الأمريكية تلقي برقية تفيد بأن صك الملكية أصبح جاهزا لصالح الحكومة الأمريكية وأنه يمكن لها استغلال المنزل كما تشاء.. هذا ما حدث لفترة من الوقت. ولكن الرئيس السادت كان معجبا بهذا المنزل وأشار له في مباحثاته مع الرئيس نيكسون أثناء زيارته للقاهرة فقرر إهداؤه هذا المنزل، أراد السادات أن ينتقل إلي المنزل ولكنه قرر لاعتبارات أمنية أنه يتوجب إنشاء سور عالٍ حوله وفي النهاية قرر هدم المنزل، وهو أمر محزن لأنه كان منزلا جميلا، ظل المكان خاويا من أي بناء لعدة سنوات. كان السادات علي وشك أن يعطي الحكومة الأمريكية منزلا آخر ولكن ذلك لم يتم. بعد وفاة السادات، أعيدت ملكية الأرض للحكومة الأمريكية، بالرغم من أن المنزل لم يكن قائما ومع ذلك فإن الموقع كان ممتازا وعلي النيل مباشرة، ولذلك قامت الحكومة الأمريكية ببناء منزل جديد علي الأرض، وكان منزلا واسعا مع أنه تم إرسال تصميمات المنزل إليه وعهد إلي أحد المهندسين الأمريكيين بإعدادها الذي قضي وقتا طويلا في القاهرة من أجل ذلك، لم يعجب التصميم ثلاثة سفراء أمريكيين بعده في القاهرة وهم السفراء ايلتز وفاليوتس وآثرتون إذ بدا كما لو أنه قلعة محصنة. وعندما قام السفير فاليوتس أثناء زيارة له للموقع باستخدام زر الكهرباء بدأت المياه في التدفق لأن العمال وضعوا مواسير المياه والكهرباء معا وكان المنزل في حالة كارثية. تنفس السفير فاليوس الصعداء لأنه لم ينتقل إليه كمقر للسفير. وطبقا للصحافة «الأمريكية» فإن إعادة إصلاح هذا العطب تكلف مليون دولار مع ذلك لم يسكن فيه أحد. تصميم المنزل كان مضحكا بالفعل والتنفيذ تكلف ملايين الدولارات وكان مهندس التصميم، هو ابن أحد الأصدقاء الأمريكيين لنا عندما عملت في بعثة مصر لدي الأممالمتحدة في نيويورك قد ذكر أن تعليماته كانت أن يصمم منزلاً به كل اعتبارات الأمن المبالغ فيها إلي حد كبير بحيث كانت هناك نوافذ قليلة جدا في المنزل والمرور من حجرة إلي أخري يتقضي السير لمدة في ممرات طويلة والمنزل به حوائط سميكة جدا استخدمت فيه كميات كبيرة من الأسمنت تكفي مواجهة أي اعتداءات عليه، وبالفعل كان مبني قبيحًا جدا. وفي النهاية قامت الحكومة الأمريكية ببيعه إلي أحد السعوديين ولم يعجبه أيضا وقام بهدمه. العمة والعم عادا إلي باريس واستمر الطفل الصغير في العيش مع الجنايني. هذه هي قصة مبني مقر السفير الأمريكي بالقاهرة. يحكي لنا السفير باتل الذي عين بعد تركه القاهرة مساعدا لوزير الخارجية للشرق الأوسط، قصة عدم وجود سفير أمريكي في مصر في أدق مرحلة هي التطورات التي سبقت أو تلت العدوان الإسرائيلي علي مصر عام 1967 . أمين عام الجمعية الأفريقية