منذ أن أعلنا عن ولادة التيار العلماني القبطي 14 نوفمبر 2006 تيمناً باحتفالية ذكري تنصيب قداسة البابا، والهجوم علي التيار لم ينقطع، ربما لأن ولادته جاءت عبر مؤتمر حمل عنوان رؤية علمانية في الإشكاليات الكنسية، وربما لأنه قطع الطريق علي سعي اختطاف الكنيسة بعيداً عن أصحابها الحقيقيين بحسب الإنجيل والآباء، وربما لأنه ألقي بحجر تنويري في بركة التغييب والإقصاء، وربما لأنه نبه الأذهان إلي حقائق أرقت من استقرت مصالحهم مع بقاء الحال علي ما هو عليه. وعبثاً حاولنا أن نبين أننا تيار فكري لم يخرج من عباءة أحد ولم يأت ليناصب أحدًا العداء ولا يوظف طاقاته لصالح أحد الفرقاء العتاة عند قمة الهرم التدبيري الكنسي، ورغم أن مؤتمراتنا وبياناتنا أكدت هذا وقدمت أبحاثاً موثقة في أهم القضايا والإشكاليات المؤرقة للكنيسة والوطن كان علي رأسها مشاريع قانون اختيار البابا البطريرك، والمشاركة العلمانية في إدارة الكنيسة، والمحاكمات الكنسية، ومنظومة الرهبنة، والأحوال الشخصية، وكان القاسم المشترك فيها الالتزام بالكتاب المقدس وتراث الآباء وقراءة الواقع المعاش بعيون محايدة تحتمي بالشفافية والمكاشفة والمصارحة، رغم كل هذا مازال البعض يري أننا قلة لا تمثل أحداً وهو دفع يفتقر للصواب فلم نقل يوما إننا نمثل أحدًا أو أننا ننوب عن جموع الأقباط، وكان الأجدر بهم مناقشة ما طرحناه، لكن موقفهم هذا يكشف سوء الطوية وتمترسهم خلف الدفاع عن مصالحهم الضيقة، في غير استيعاب لدرس التاريخ أنه مهما كانت تيارات وعواصف محاربة التنوير عاتية فهي لا تلبث أن تزول ويبقي الفكر وتبقي الكلمة التي لن تعود فارغة. وفي إطار التوجه التنويري في مناخ إظلامي متراجع نواصل الدفع بالرؤي الموضوعية، ويقدم أحد مؤسسي التيار والفاعلين فيه منذ لحظته الأولي الأستاذ مدحت بشاي كتابه الجديد الذي استعرت اسمه كعنوان لمقالي هذا «دليل الوفاق في الزواج والطلاق» وعنوان فرعي «القراءة الرشيدة في قانون الكنيسة العتيدة»، وهو كتاب وثائقي يتوجه للباحثين وأصحاب القرار، فضلاً عن المهمومين بالشأن الكنسي تتكامل فيه الصورة في مواجهة المزايدات والزعم بأن المعركة بين من يحافظون علي ما جاء بالإنجيل ويشيعون أنهم حماة الإيمان والعقيدة، وبين من يهدرون هذا ويدعون لمخالفة الإنجيل وتعاليم رب المجد يسوع المسيح، وهو زعم باطل تكشفه أوراق الكتاب ووثائقه. وفي موضوعية محايدة يورد الكاتب النصوص الكاملة للوثائق ذات الصلة بدءاً بنص حكم المحكمة القاضي بحتمية إعطاء المطلق صاحب الدعوي تصريحاً بالزواج الثاني، ثم لائحة الأحوال الصادرة عام 1938 محل الجدل والمتهمة بمخالفة الإنجيل وهنا يتساءل الكاتب هل يمكن القول إن المسيحية بدأت بعصر الأنبا شنودة، وأن ما قبل عصره لم يكن للمسيحية ما يوفر للمؤمن عقيدة تلتزم صحيح الدين حيث كان العمل بلائحة مُعثِرة وضعها معثرون؟! ثم يورد الكاتب نص مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من الكنائس بمصر عام 2010، ويلحقه برؤية العلمانيين حول ذات المشروع والمتضمنة الإطار الفكري والعقيدي لرؤيتهم ونص مشروعهم المقدم لوزارة العدل. ولا يستأثر الكاتب بصفحات كتابه بل يفسحها لآراء كتاب ومفكرين مصريين أدلوا برأيهم ورؤيتهم في هذا الشأن الأساتذة نبيل عبد الفتاح رئيس مركز التاريخ بالأهرام والمهندس كمال غبريال والقس الدكتور إكرام لمعي والصحفي الشاب روبير الفارس والصحفي سامح محروس، والكاتب مجدي سلامة، مزيلاً هذا كله برصد أبرز تعليقات القراء عبر شبكة الإنترنت. وتكشف مقدمة الكاتب عن أنين من يري ويسمع ويحلل ويصل إلي نتائج لابد أن نتوقف عندها كثيرا فقد تكون صرخة استنجاد من سفينة يتهددها الغرق بإرادة طاقمها، ويختتم كتابه بخاتمة تحمل عنوان «يحدث هذا في زمن غياب كاهن زمن الوداعة» يقول في بعض سطورها: «عند حدوث المحن والشدائد يظهر الحكماء فيتنفس الناس الصعداء.. فإذا كان الحكماء الذين يتمتعون بحق القول واصدار القرار في أزمات الكنيسة هم اصحاب النيافة الأحبار فقط ويرون أن حكمتهم مستمدة من الحكم الإلهي في تفهم مطلق ووحيد لآيات الكتاب المقدس فكيف يمكن الخروج من الأزمة؟». ويري الكاتب أن أزمة الكنيسة ولدت وتفاقمت عندما أتت قيادات جديدة تتبني توجها رهبانياً احادياً قررت إحداث تحول فجائي في أحوال الكنيسة، وفرض أداء جديد للكهنة لحمل مباخر الولاء لا مباخر التسبيح والبركة ليتحولوا إلي مجموعة من الموظفين في انتظار تعليمات المطارنة فتباعدوا عن الناس لينفذوا تكليفات قررها مجموعة من المطارنة.. لتختفي قيمة الاحتواء الروحي والإنساني للشباب وتكرس بدلا عنها حالة من الارتباط غير السوي بين الكنيسة وأولادها، ثم بين الكنيسة والمجتمع وتتسع المسافة بين الكنيسة والوطن بمعظم مؤسساته. ويختتم الكاتب سطوره بنداء إلي أصحاب التوجه الرهباني الأحادي بالعودة لأديرتهم يصلون فيها من أجل سلام الكنيسة والمجتمع، ويتركون هواية اعتلاء منابر الحكم والقضاء والتشريع والأمور الأمنية المباحثية التي ليست لهم والتي تأتي خصماً من مهامهم الرعوية الروحية.. «وعليهم أن يتركوننا مع كهنتنا دون ضغط عليهم أو ممارسة دور رئاسي بيروقراطي الأداء أو ثيوقراطي التوجه والتحكم».