فيما نسعي كتيار علماني لتكريس ثقافة الحوار، والتحرك الإيجابي في مناقشة وطرح الإشكاليات القبطية الكنسية والوطنية، نجد تحركا محموما يسعي لمحاصرة وتقويض فعاليات التيار العلماني، ومحاولة سحبه إلي مربع الشخصنة، ونتفهم بواعث هذا لأننا أصبنا مصالح ظن أصحابها أنها مستقرة، وعرقلنا مخططا ظن أطرافه أنه بانتظار لحظة التنفيذ. في هذا الإطار نقرأ التحرك الانفعالي والدءوب لمطران دمياط وصاحب أطول سلسلة من الألقاب والوظائف الكنسية، ونصطدم مع قدرته علي التنقل بين الموقف ونقيضه، ففيما يتهم الصحافة المستقلة بأنها تتبني توجه الهجوم علي الكنيسة وقياداتها، نجده يستقبل محرريها ويدلي لهم بأحاديث مطولة، وفيما يوقع علي وثائق التفاهم مع الكنائس الأخري الأرثوذكسية والكاثوليكية وجلسات الحوار مع الكنائس البروتستانتية عبر مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي، نجده يوسعهم هجومًا وتهكمًا في مؤتمراته السنوية بالفيوم، وفيما نجده مؤمنًا بمقررات مجمع نيقية المسكوني 325م.. ومنها ما يجرم ويحرم انتقال الأسقف من ولاية مدينة صغيرة إلي ولاية مدينة كبيرة، الأمر الذي يقطع الطريق علي الأساقفة للترشح للكرسي البابوي، يبادر وقد لاحت أمامهم وفق تقديراتهم قرب معركة الخلافة، إلي التملص من إيمانه هذا وتعليق هذا في رقبة قداسة البابا بعد أن غسل يديه بهدوء وثقة استنادًا إلي مقولة غير محققة بأن هذا التحريم مدسوس علي المجمع، غير مقدر لتداعيات التشكيك في مقررات نيقية حتي لو طالت ثوابت الإيمان. وفي ذات السياق نجده يحمل بعنف علي التيار العلماني تأسيسًا علي مقدمات غير صحيحة وفاسدة منطقيا، فبينما أعلنا أننا تيار علماني يسألنا عن سند الوكالة لعموم الأقباط، وبينما قلنا إننا نقدم رؤي وأبحاثًا تتناول الإشكاليات الكنسية يتساءل عن موقعنا الكنسي الرسمي الذي يسمح لنا بالتدخل في الشأن الكنسي، بينما يعلم طفل مدارس الأحد أن العضوية الكنسية لا تمنح من أحد ومنها تستمد صلاحيات التحرك لتأكيد تكاملية الجسد، والعمل الفكري يقابله حوار فكري أو رد فيما طرح ولا يصلح معه الإقصاء الطبقي أو الإرهاب الفكري الاستعلائي. فيما يرفض تدخل الدولة أو القضاء في الشأن الكنسي نجده يؤكد أنه سيلجأ للقضاء لوقف أي محاولات لتعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك، ولم يكلف نفسه عناء قراءة أطروحتنا في هذا الشأن، واكتفي بنعتنا بصفات تذكرنا بنسق الحكم الشمولي وشعاراته التي تجاوزها الزمن. ولعله بهذا يعطينا الحق تأسيا به في اللجوء للقضاء لتصحيح العوار القانوني والكنسي الذي تحفل به لائحة 57، وهو ما فصلناه في ورشة العمل التي عقدناه قبل عامين 2007، وأنتجت مقترح مشروع لائحة لانتخاب البابا البطريرك، لكنها لم تصادف من له آذان ليسمع أو عيون ليقرأ. وفيما يقدم نفسه باعتباره مفكرًا ولاهوتيا وأديبًا ينصاع له القلم والفكر نجده يكرر في غير ملل أن كاتب هذه السطور كان حلمه أن يصير بطريركًا، ودليله أنني كتبت مقالاً بجريدة الأخبار بعنوان "ماذا لو كنت بابا ليوم واحد" ولم يدرك أن هذا العنوان وما طرح تحته يدخل تحت باب الرسائل المتضمنة، ولو أجهد نفسه قليلاً في قراءته لاكتشف أنه كان رسالة إلي القيادة الكنسية تتضمن رؤيتنا فيما تحتاجه الكنيسة من تدبير وتحرك باتجاه رأب الصدع، بأسلوب راق ومترفع عن التجريح والشخصنة. وعندما يتعرض للقرعة الهيكلية، وهي ترتيب يهودي بالأساس، يشوش علي ذهن القارئ ليوهمه أنها خيار مسيحي مستقر، ولم يقل أن اختيار متياس الرسول كبديل ليهوذا الذي تم من خلال إجراء قرعة كان في مرحلة ما قبل تأسيس الكنيسة يوم الخمسين وقبل حلول الروح القدس علي الكنيسة الأولي، ودليلنا أن الكنيسة الجامعة -والكنيسة المحلية- لم تلجأ للقرعة بعد ولادة الكنيسة بالروح القدس، وإنما كان المتبع التشاور بين الآباء الرسل -والأساقفة فيما بعد- والشعب، ويخرج القرار باستهلال يقول: "رأي الروح القدس ونحن....«، ونحن هنا تعود علي كل الكنيسة اكليروسا وشعبا. ولمن يريد المزيد يراجع رسالتي ق.بولس إلي كنيسة كورنثوس، ولعل السؤال ماذا عن الكنيسة عبر 1900 سنة، فيما بين عام 56 حين جاء ق.مرقس بالمسيحية إلي مصر وعام 1957 حين أقرت لائحة 57 التي استحدثت القرعة تلك، هل كانت الكنيسة غير مدركة لأهمية استشارة الله في الاختيار؟! وفيما نطرح رؤي محددة في الشأن التدبيري والإداري نجده يسعي لافتعال معركة لاهوتية في استغلال لعدم تخصص المحاور والقاعدة العريضة من المتلقين في إثارة قضية تأليه الإنسان ويتعمد الاجتزاء والطرح غير الأمين لها والقول بما لم نقله، لكننا لن نبلع الطعم فلكل مقام مقال. وفيما يعلم بقيمة الفرد الواحد في منظومة الخلاص بحسب تأكيد السيد المسيح نجده يفتخر بتجاهل نفر من أبناء الكنيسة، بل ويلوح بتهديد مبطن بما ينتظرهم، ولعله يراجع التاريخ فقد يدرك أن التغيير يبدأ فكرًا وكذلك الإصلاح، وأن رموز التغيير والإصلاح كانوا دائمًا قلة لا تذكر، هكذا كان التلاميذ، وهكذا كان اثناسيوس، وهكذا كان حبيب جرجس، وهكذا كان نظير جيد، وهكذا كان متي المسكين، ولعله يدرك أن التاريخ يذكر من قادوا حركات التنوير، بينما من قاوموهم فما أظن أن أحدًا يذكرهم، فللسطوة حدود وللبطش حدود ودورة التاريخ لا تتوقف، والبقاء لله وحده. في مناسبة عيد الأضحي المبارك الذي يحتفل به أخوتنا المسلمون، ويذكرنا بالمشترك بين الأديان في القيمة التي يحملها، الفداء والتضحية والطاقة المطلقة لله، نتقدم بالتهنئة القلبية لكل المصريين المسلمين، داعين الله أن يحفظ بلادنا ووطننا الغالي من كل سوء ويعيده علينا كلنا ونحن أكثر ترابطًا ووعيا بقيمة التوحد واليقظة والتكاتف.