الجماعات الإسلامية مثلها مثل بقية خلق الله يصيبها ما يصيب الناس ويعتريها ما يعترى المؤسسات الحكومية والخاصة من مركزية وانفرادية وغياب للمؤسسية، ولكن بدرجات. وحالة الإخوان المسلمين نموذج للمؤسسات المصرية والعربية، وإن بدت أكثر إشراقا للناظرين من الخارج، وذلك بفعل تيار المقاومة والرغبة فى الإصلاح من داخل المؤسسة التى ينتسبون إليها. الإخوان المسلمون اعتراها كثير من العوار البيروقراطى الذى اعترى المؤسسات الرسمية وهذا ليس مفاجأة لأحد، وعلى الرغم من كونها جماعة أو جمعية نفع عام (وفق التعبير الإدارى والتنظيمى الحديث) إلا أن البيروقراطية نالت منها خصوصا فيما يخص الإصلاح، وهذا ليس عوارا أصاب الإخوان وحدهم إنما هو محصلة العوار العام الذى أصاب حياتنا وجعل الفرد هو (محور المؤسسة) حوله تدور وحول أرائه تدندن، ويمكنكم بسهولة الرجوع إلى أى صحيفة قومية لتدركوا المعنى، وأيضا يمكنكم العودة إلى موقع الإخوان الرسمى لتؤكدوا هذا المعنى أيضا ولمزيد من التأكيد تصفحوا أى صحيفة حزبية!! والإخوان المسلمون فى السنوات العشر الأخيرة، تمر بمرحلة مخاض حقيقى لو انتبه المجتمع إليه لقرر على الفور مد يد العون للجماعة من أجل أن تمارس دورها الطبيعى فى المجتمع، والحرب التى يشنها البعض على الإخوان المسلمين ليست فى إطار التنافسية على كسب ود الشارع والجمهور، بل هى حرب للتأكيد على أنها أضعف من أن تكون قوة منافسة للسلطة الحالية، وعلى الرغم من أن العالم بدا يدرك أن الإخوان قوة حقيقية تماما، كما يدرك رجل الشارع المصرى تلك الحقيقة، إلا أن البعض لا يزال يكابر ويعاند ظنا منه أن الأمور يمكن معالجتها بنفس الطرق القديمة التى لم تؤت ثمارها حتى اللحظة. هذا لا يعنى أبدا أن الإخوان المسلمين بلا أخطاء أو أنهم الأفضل على الإطلاق، ولكنى أرى الأمور نسبية... ولا يوجد شىء مطلق فى العمل السياسى. ما أريد أن أقوله فى ظل تصريحات المرشد العام للإخوان المسلمين الأخيرة والتى أعلن فيها أنه لن يترشح لفترة جديدة مع نهاية هذا العام (بالمناسبة لم ينشر موقع الإخوان الرسمى الخبر الذى نشره اليوم السابع)، أقول إنه فى ظل هذه التصريحات فنحن أمام مشهد تدافع حقيقى برزت معالمه، وهذا لا يعنى أن يراهن البعض على الانقسام وتفتيت الجماعة فهذه تجربة ثبت فشلها غير مرة، بل الواجب أن يسارع الشارع السياسى بمفكريه ومتحزبيه إلى قراءة دقيقة لمستقبل الإخوان المسلمين، وعليهم وعلينا أن نطرح السؤال التالى: ما هو مستقبل الإخوان المسلمين؟ وفى ظل ما أشاهده فإن الإخوان قد أخذوا زمام المبادرة، وأن الميل نحو الديمقراطية بدأ يأخذ شكل التيار حتى فى صفوف قدامى الإخوان، وهو أمر غير معهود وليسامحنى بعضهم وإن احترمت صبرهم ونضالهم. لو صدقت وأتمنى أن تصدق تصريحات المرشد العام، فإن المشهد السياسى لجماعة الإخوان المسلمين (الدعوية) بدأ يتبلور وبدأت الجماعة تستجيب لطلبات وضغوطات ونداءات المجتمع من حولها. فى مغزى هذه التصريحات الكثير والكثير – وفى حال تحقق ذلك الأمر- فإن الإخوان المسلمين كتيار دينى بدأ يدرك وبحق أن السياسة الحقيقية هى أن تصبح الإخوان جزءا من المجتمع تتفاعل معه وتستجيب لرغباته ولو كانت على غير رغبتها، والتغيير ثمة العمل السياسى والتطوير والتحديث هو ثمة الباحثين عن البقاء والمنافسة، لو فعلها المرشد فإننا ننتظر من الحزب الوطنى وكافة الأحزاب أن يفعلها الآن وبدون تلكؤ... فى ظنى أن مسيرة الإصلاح الحقيقية فى الإخوان والتى بدأت ولا تزال تتعثر بفعل الداخل والخارج ستلقى قوة دفع هائلة، وأناشد كافة التيارات الوطنية أن تمد يدها وأن تفتح ذراعيها ثم لتختبر أفعال الإخوان، بدلا من التشكيك فى كل خطوة حتى قبل التأكد من صحتها.