ليس معني أن وزارة الخارجية المصرية آثرت الترفع عن تجاوزات وتفاهات وتطاول البعض في لبنان في حق مصر أنها لا تعرف هي وبقية الجهات الرسمية المصرية المعنية من يختفي وراء هؤلاء ويحركهم؟ وماذا يريدون؟ وما هو سبب مهاجمتهم لمصر وسب رموزها؟ لقد اهتمت وزارة الخارجية أكثر بمستقبل لبنان وأمنه واستقراره لأنها - كما يقول بيان الخارجية - تشعر بالقلق جراء تطور الأحداث في لبنان، حيث لا يقتصر الأمر علي مجرد تحدي بعض اللبنانيين المدعومين بقوة السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، السلطتين التنفيذية والقضائية في لبنان، بشكل سافر إنما تجاوزه ليشمل تشكيل تهديد للاستقرار للبنان كله. وهذا هو بيت القصيد.. والسبب في ذلك التهجم الجديد من بعض اللبنانيين علي مصر ورموزها، الذي تمثل في تلك الأكاذيب التي رددها اللواء جميل السيد قائد الأمن العام اللبناني السابق حول أحد الدبلوماسيين المصريين في السفارة المصرية ببيروت، متهما اياه بنشر الفتنة الطائفية في لبنان والتحريض عليها.. فمصر تتصدي بكل قوة لكل محاولات الهيمنة من بعض القوي الاقليمية علي لبنان، وتحاول بالتنسيق مع السعودية افشال مخططات فرض أي هيمنة خارجية علي لبنان، ولذلك كان من الطبيعي أن تنال مصر نصيبا من أكاذيب هؤلاء الذين يستخدمون لفرض مثل هذه الهيمنة. لقد تصور البعض أن تحسن العلاقات السعودية - السورية سوف يتبعه تحسن للأوضاع الداخلية اللبنانية واستقرار في لبنان تطبيقا لقاعدة نبيه بري الشهيرة «س. س» ولكن يبدو أن الأمور في منطقتنا لا تسير بهذه السهولة والسلاسة، لأن هناك تقاطعات سياسية اقليمية عديدة، وهناك تطورات طرأت علي المنطقة مؤخرا كان لها تأثيرها علي اللاعبين المختلفين في المنطقة، ولعل هذا ما كانت تدركه مصر مبكرا وبشكل واضح.. لعل هذا أيضا هو ما أجل أو أبطأ عودة العلاقات المصرية - السورية إلي سابق عهدها، حينما كان كل من مصر وسوريا والسعودية يشكل محورا سياسيا مهما في المنطقة. ويتعين ألا ننسي أن ايران تريد أن تخرج من مأزقها الحالي بعد زيادة جرعة العقوبات الدولية عليها، ليس أمامها سوي أن تقايض علي ما راكمته من أوراق ظلت تجمع فيها خلال السنوات الماضية في منطقتنا سواء في لبنان أو العراق أو غزة. كما يتعين ألا ننسي أن سوريا المدعوة الآن للانضمام للمفاوضات مع إسرائيل برعاية أمريكية تريد أن يكون لبنان من بين الأوراق التي تقايض بها علي المائدة، حتي لا تدخل المفاوضات خالية الوفاض من أي أوراق تلعب بها ثم إن التحالف الاستراتيجي السوري - الإيراني وإن كان يحقق لسوريا بعض الفوائد من وجهة نظر السياسة السورية، إلا أنه في ذات الوقت يفرض عليها تبعات ومواقف. ثم إن معادلة «س س» ذاتها واجهت صعوبات في التطبيق العملي بالصعوبات التي واجهت التوافق السعودي - السوري حول أوضاع العراق، وحدوث تباين متأخر في نظر الطرفين تجاهها.