لماذا لم تستجب الحكومة إلي «الوطني»؟ ملاحظتان جوهريتان علي جدل العملية الانتخابية، وما يثور حولها من أحاديث تتواتر بين التبشير بالنزاهة والعدالة والترويع بالتزوير وتزييف الإرادة الانتخابية: أولاً: صدر عن الحزب الوطني يوم الأربعاء الماضي مطالبة للحكومة بتوفير الموارد المالية التي تمكن اللجنة العليا للانتخابات من أن تؤدي عملها بما ينبغي، واليوم الاثنين.. أي مضت ستة أيام.. بدون حتي أن يصدر عن الحكومة ما يعبّر عن الاهتمام، لم تقل حتي في بيان عابر أنها سوف تناقش الأمر، أو أنها تجد من الواجب عليها تلبية طلب الحزب بموجب القانون، أو حتي أنها تنتظر طلبات اللجنة وتقديرها لاحتياجاتها.. وأنها ملتزمة بتلبيتها. سوف أفترض حسن النية، وهو عنصر لم يعد يصلح للعمل في هذا الزمان، وسأتوقع من الحكومة أن تناقش الأمر في اجتماعها يوم الأربعاء المقبل.. وتعلن كلاماً محدداً. ثانياً: يؤسفني للغاية أن أجد أن الحديث عن هذه اللجنة غائب فعلاً عن تصريحات وتنويهات رؤساء الأحزاب المعارضة، وأعني بذلك مجموعة (الأربعة ناقص واحد)، أي الوفد والتجمع والناصري.. وحزب الجبهة الذي يقول إنه سيقاطع الانتخابات، كما لو أن هذه الأحزاب لا تعرف بوجود اللجنة، وكما لو أنها تتجاهلها، وكلاهما سيئتان لا ينبغي أن تكون.. خصوصاً إذا كان الحديث عن ضمانات عملية الانتخاب يتكرر من تلك الأحزاب.. بينما في يد اللجنة تتوافر كل الضمانات وإليها يجب أن ترفع كل المطالبات. أظن أن اللجنة تتحمل بعضاً من مسئولية عدم الإحساس بها.. نسيت نفسها.. ولم ترسخ وجودها في انتخابات الشوري بوضوح.. ودعاية كافية.. ومن ثم فإنها مطالبة بأن تتصدر الصورة.. وتسيطر هي علي حديث الانتخابات.. وتتجه إلي خلق تراثها ومعاييرها المؤسسية.. وأن تحيط الناس بمكانتها ودورها ووظائفها.. وما ينص عليه القانون بشأنها. اللجنة منوطة بالدعاية لنفسها.. ولا شك أن طبيعة تكوينها التي تمنحها التميز والاستقلال.. باعتبار غالبيتها من رجال القضاء (يرأسها رئيس استئناف القاهرة).. هي نفسها التي تجعلهم مترفعين عن الدعاية وعن تسويق طبيعة اللجنة ومهامها.. وسوف نكتشف فيما بعد أن توالي أصحاب تلك المواقع القضائية عليها لن يؤدي إلي تراكم في التراث لاختلاف الأساليب.. ومن ثم وجب أن تكون لها أمانة عامة مستقرة ولها طبيعة فنية. الدعاية هنا، باعتبارها ضد طبيعة العمل القضائي ليست دعاية من أجل أشخاص، وإنما من أجل عمل قانوني، يستوجب تثقيف الناخبين، واطلاع المرشحين، وتنويه الحقائق أمام المتابعين.. وبالتالي ليس علي اللجنة أن تنسي نفسها.. وأن تذكرنا بوجودها.. وأن تملأ الساحة التي هي لها بموجب تعديلات 2007.. خاصة أن في اختصاصاتها وصلاحيتها القانونية ما يضمن انتخابات مميزة بل ربما غير مسبوقة.. ولا أقول كاملة الأوصاف.. فاكتمال الأوصاف يقتضي تغييراً جوهرياً في طبيعة وثقافة المجتمع وليس تعديلاً في القانون وطريقة التطبيق. لدي اللجنة، موثوقة الاستقلال، صلاحية وضع قواعد تعديل الجداول الانتخابية وطريقة تنقيتها وتحديثها ومتابعة ذلك. لديها صلاحية اقتراح الدوائر الانتخابية.. وصلاحية تحديد قواعد الدعاية الانتخابية للمرشحين ووضع الرموز وتوزيعها بين الأحزاب والمرشحين المستقلين. وبخلاف تنظيم العملية الانتخابية وإدارتها وإعلان النتائج.. فإن لدي اللجنة صلاحية وضع القواعد الإرشادية لسير الانتخابات.. وتلقي الشكاوي والبلاغات.. وتثقيف وتوعية الناخبين.. وإبداء الرأي في أي مشروعات تخص قوانين الانتخابات.. وغير ذلك كثير. وبخلاف التحدي الأهم، وهو تعزيز وجود اللجنة وإحساس الناخبين بها، ولو قبل الإعلان عن الموعد الرسمي للانتخابات وبدء الإجراءات، خصوصاً أن التحركات الانتخابية قد بدأت بالفعل في الدوائر.. بخلاف هذا فإنني أري أن أهم تحديين يواجهان اللجنة.. ويتعلقان باختصاصاتها هما ما يلي: وضع القواعد المحددة لقبول متابعة منظمات المجتمع المدني المصرية للعملية الانتخابية.. هذه القواعد لابد أن تعلن قبل فترة مناسبة.. ولابد أن تكون واضحة ولا خروج عليها.. ولابد أن تضمن عدم وجود منظمات ذات خلفية سياسية أو معلنة الهوي أو تتبع بعض الأحزاب.. كما هو حال جمعيات منبثقة عن حزب الوفد.. كما نفترض أن اللجنة سوف توفر السبل الواجبة لكل المنظمات المصرية التي تنطبق عليها المعايير لكي تراقب الانتخابات في إطار من الشفافية ومناخ من القبول الإداري. التحدي الثاني وهو الأخطر، أن تصر اللجنة علي تطبيق النص القانوني الواجب بمنع استخدام أي دعاية دينية أو عرقية أو طائفية في الانتخابات.. وفق ما يقضي الدستور والقانون.. إذ ليس من حق أحد أن يستخدم الشعارات الدينية، كما أنه ليس من حق أحد أن يخادع الناخبين باعتبار نفسه أنقي من غيره أو أكثر تديناً من بقية المرشحين. وإذا كان هذان التحديان منوطاً باللجنة أن تتصدي لهما، فإن من الواجب علينا كإعلام يرغب في أن تشهد مصر انتخابات سليمة ونزيهة ومعبرة عن الشرعية، أن نعين اللجنة، وأن نساندها، ونكشف عن مقوماتها وصلاحيتها، ودورها، لكن عليها أولاً أن تساعدنا.. وأن تتبوأ موقعها.. وأن تُفعِّل أدواتها.. وألا تركن إلي أنه ليس عليها أن تظهر إلا حين تتم دعوة الناخبين للانتخاب. إن علي اللجنة، بتشكيلها الحالي، أن تتصدي لمهمة تاريخية موكولة إليها، وأن تدرك أبعادها، وأن عليها أن تضع لبنات الخبرات، وأسس التراث الذي سوف تنبني عليه إسهامات مختلفة في المستقبل، فلن تخلو أي انتخابات مقبلة أو بعدها من بعض العيوب، ولكن التراكم هو الذي سوف يؤدي إلي سد الثغرات وعلاج المشكلات، وابتداع الحلول، وفتح الحوار المجتمعي حول أفضل السبل إلي تطوير العملية الانتخابية.. خصوصاً مع الأطراف الأساسية المعنية بها وهي الأحزاب. أيتها اللجنة العظيمة: يرجي أن تتذكري نفسك. www.abkamal.net [email protected]