لقد دعاني الأستاذ المنتج (فلان الفلاني) وهو من كبار المدخنين - أقصد المنتجين المدخنين - إذ إنه ينتج كثيراً، ويدخن كثيراً - فهو (يشفط) سيجاراً يصل طوله إلي عشرين سم أو يزيد. ويستهلك منها في (الجلسة) الواحدة (حزمة كاملة) دعاني المنتج المدخن المذكور لاجتماع مغلق باباً ونوافذ للاتفاق علي تقديم عمل «مرصحي» يعني سيادته (عمل مسرحي) وسوف تلاحظون أنه يقلب السين صاداً دائماً، قال لي شوف يا أصطاز - صمير - بمناصبة إزضهار الصياحة صيفاً - إن لم يكن بالقاهرة ليكن في (بيروط) وإن لم يكن في بيروط ليكن في دمشق، وإن رفضت السيدة الوظيرة - ننقل للخليج وإذا طرضونا - نقلت المرصحية تصوير تليفظيوني ونقلبها في أي (ضش) يقصد دش. ملحوظة: عدلت إحدي الباحثات الدكتورات اسم الدش أو الطبق إلي تسمية جديدة فريدة وهي الإيريال القصعي - نسبة للقصعة وطبعاً هذا التعبير أعمق من الطبق المسطح.. المهم شد السيد المنتج نفساً طويلاً وابتلعه ثم أعاده من أنفه ملوناً.. ولهث وسعل سعلة ممطوطة طويلة جداً وهو سعيد جداً بما شرحه لي من كيفية (برمجة) هذا العمل السياحي العربي المتجول، القادر فعلاً علي النجاح والفلاح وتحقيق الأرباح - وهذا هو طبعاً الهدف من هذه الجلسة المدخنة. ثم توقف الحديث ولمدة خمس دقائق إذ بدأ سيادته في السعال والتفكير، وبدأت مثله في السعال والتفكير، وبعد نهاية فترة السعال وما تلاه من لوازم ونواتج في المناديل وخارجها قال لي بصوته العريض المبلغم. - ايه رأيك (يا أصطاز صمير) يعني يا أستاذ سمير - لاحظ حجم الحروف قلت له وأنا أرفع أنفي للسقف ليس تعالياً ولكن بحثاً عن نسمة هواء نقي وسط حلقات الدخان - طبعاً - بس الموضوع.. قال بسرعة وقبل أن أكمل موضوع إيه أنا (شرحط) لك كل الموضوع والبركة فيك بقه - هل لديك نص مسرحي، هل لديك فرقة وعناصر فنية، مهندس للديكور، مصمم للملابس. صرخ ضاحكاً.. قال وهذا مش مهم وطرق باصبعه المصفح بخاتم ذهبي يماثل حافر الحمار تماماً علي سطح خزانته المصفحة بالفولاذ صارخاً هنا ( كل شيء) وبسرعة وخفة ضغط علي باب الخزانة وضع أمامي عدة رزم من العملات الملونة الصعبة، وكأنها كرنفال للفلوس - أو هيئة أمم فلوسية في برنامج واحد، وزعق ضاحكاً، حتي أهتزت الجدران والحوائط والستائر والفازات والنجفات، وارتعشت كل الجوامد، وكأنها تشاركه الضحك الزلزالي. ثم قال إيه مبصوط يا عم. قلت له - لأ مش مبسوط - الفلوس طبعاً ضرورة لكن الإنتاج الفني يحتاج إلي نص مسرحي يكتبه مؤلف كبير. قال: ولا يهمك أنا مش عاوز نص ولا مؤلف - أنا عندي فكرة أجمل - أنا ألم الولاد المشهورين المرتجلين والمعروفين بالخروج علي النص - ومادام بيخرجوا علي النص يبقي مفيش داعي للنص، وبلاش نوجع دماغنا، ونوفر ثمن النص، وندفع للعيال دولي اللي هما عاوزينه ونضحك وننبسط ونفرفش ونلحق (الموصم) ولا تنسي كمان يا أصطاز عاوزين كام زغلولة ولا كام بطة حلوة - (مدام فلانة ) إيه رأيك فيها - عارفها - قشطة - هايلة الماظية - ايه رأيك يا صمير؟ لم يعد هناك هواء - وقفت ودسست أنفي في مساحة بها نسمة هواء - وتنفست وصرخت من غلبي (أخ). صرخ سيادته ضاحكاً.. طبعاً أخ.. مش قلت لك البت ألماظية يا جدع؟ تلونت الغرفة باللون الرمادي.. ومن وراء أستار الدخان صرخت يعني حضرتك مش عاوز نص مسرحي - لكن عاوز شوية ناس خارجة علي النص وعاوز شوية ألماظية. قال في ثقة نعم.. وده المطلوب.. قلت وبالتالي لا داعي لمصمم ديكور وملابس. صرخ من وراء الدخان يا أصطاز المسرحية صيفي مفتوحة علي البحري مش عاوزة يكور ومش عاوزين ملابس.. الدنيا حر. قلت في صوت خافت: فعلاً الدنيا حر. وتحركت للانصراف. قال: علي فين يا (أصطاز). قلت فعلاً الدنيا حر - خارج - رايح أصيف. وخرجت لأسعل علي راحتي بعيداً عن الدخان والألماظية وحافر الحمار الذهبي.