رغم بدايتها المتأخرة في الكتابة، وأعمالها القليلة التي لا تزيد علي مجموعتين قصصيتين إلا أنها طبعت نفسها فيما قدمت، ولم تكتب إلا عما تعرف فأبدعت، وفي مجموعتها الأخيرة "عربة مترو أخيرة" الصادرة مؤخرا عن دار شرقيات، قدمت حنان الدناصوري مجموعة من المشاعر والانطباعات الخاصة جدا تترك في النفس شجنا ممزوجا بإحساس غامض لا تستطيع تحديده بالضبط.. مع أفكار وأسلوب ونهايات تثير التساؤلات حول الكاتبة التي حاورتها فتكشف الكثير مما لم يكن معروفاً عنها.. ولدت حنان في ستينيات القرن الماضي، لطبقة متوسطة، تقول عنها: نشأت فشاهدت المجتمع والعالم يتغير من حولي، خاصة في السبعينيات والثمانينيات، سقطت الطبقة الوسطي، وانهار ما أعرفه، ولكني تصديت لذلك بانكماشي علي ذاتي، و احتفاظي بنظرتي القديمة، استغللت طاقتي كلها في الحفاظ علي نفسي وقيمي، ولو لم تكن متماشية مع قوانين و انتصارات العالم الجديد، الذي لا أملك أداوته، ولا أود. لماذا؟ - لم يعد العلم والاجتهاد وسيلة المرء في الوصول لمراده، سادت الفهلوة والسمسرة، لهذا تركت عملي بوزارة الصحة، ولم أعد طبيبة منذ زمن. ما المناخ الذي أحاط بكتابة مجموعتك الأخيرة؟ - حين يتعدي المرء الأربعين من عمره، يقف ليراجع حياته، وينظر لها نظرة أخري، عميقة، بما فيها من أشخاص عرفهم، وتجارب مر بها، فيصل تدريجيا لعلل الأمور، و يكتشف بينها علاقات أكثر مما يتخيل، وتتضح الأفعال والاختيارات، كذلك بدايته وما انتهي إليه، لذا فالمجموعة ككل إعادة نظر في الحياة والاختيارات و النقاط الفاصلة فيها. وماذا اكتشفت ؟ - اكتشفت أن المرء لن يكون إلا نفسه، وما يصل إليه هو ما تمناه واختاره، عبر سلسلة اختيارات، كنت أود ألا أتخلي عن أي جزء من نفسي، وأن أبقي كما أنا ولا أتنازل عن شيء، و قد فعلت، فاحتفظت ببراءتي. كيف تجدين الفارق بين مجموعتيك الأولي والثانية؟ - الفارق كبير بين المجموعتين ، الأولي تظل أولي، كان لدي وقتها أفكار ومشاعر، و لم يكن عندي أدوات، أما في الثانية فقد تمكنت من أدواتي، المشاعر ذاتها ولكن الصنعة ارتفعت. عربة مترو أخيرة، حصة أخيرة، لماذا هذا الشعور و كأننا علي أطراف الكون ننتظر لنلحق بآخر كل شيء؟ - المترو علامة من علامات مصر الجديدة، شذرة من الزمن الجميل تضغط علي الجميل داخلنا، فتستفزه لعله يخرج، محاولة للحاق بآخر شيء من الأشياء الجميلة، عبر حركة خارجية خاطفة كعربة مترو نلحق بها، أو جرس حصة ينطلق فينبهنا قبل الانهيار، لعلنا نجد ولو شيئاً صغيراً ينقذنا، ويحيي الجميل الكامن بداخلنا خلف ترسبات الزمن، يحدث هذا للشخصيات الجميلة التي تحافظ علي نفسها. كثير من شخوص عملك هربوا، لماذا؟ وهل هي دعوة للهروب؟ - لا، ليست دعوة للهروب، الهروب في المجموعة طرح طفولي، مرتبط بطريقة تفكيري، ومحاولة مني لإيجاد خلاص يأتي من الخارج. لماذا كل رجال المجموعة أوغاد، كيف تري حنان الدناصوري الرجل؟ - الرجل هو الأب، بالنسبة لي، ولنساء مجموعتي اللائي يبحثن باستمرار عن أب يحتضن ويحنو ويعطف ويبث الشعور بالأمان، قد يكون ذلك لأنني فقدت أبي في سن ال14 مما جعل صورته في ذهني غير واقعية، علاقتي به كانت جيدة، لذا بنيت له تصوراً مثالياً، و أردت تطبيقه علي كل الآباء، أعترف أن نظرتي غير واقعية، بل هي طفولية وكأن الأب هو مسئول السعادة..! الزمان الحالي اختلف تماما.. لم يعد ثمة صبر، تزايدت الضغوط، وأصبحت الآباء مكسورة، في جيلي وطبقتي سافر الآباء إلي الخارج من أجل التعليم، وعادوا ليتتلمذوا علي يد الكبار كطه حسين في زمن التنوير، لذا أري الشخصية القديمة للأب قد قامت بدورها، بينما لم تعد تفعل الآن. هل يمكن القول بأنك كاتبة قصة قصيرة أم أن لك مشاريع رواية لم تكتمل بعد؟ - أحب القصة القصيرة، بدأت كتابتي بها، ولكن عندي رواية أيضا، شرعت في كتابتها مؤخرا، لذا لا أعتبر نفسي كاتبة قصة قصيرة، أعتبر نفسي كاتبة وحسب، أحاول توصيل أفكاري عبر رواية أو قصة أو أيا كان، الفيصل في المحتوي. عم تدور روايتك الجديدة؟ - عن بنات مصر الجديدة، عبرهن أعرض للتغييرات التي لحقت بالطبقة الوسطي، وكيف أثرت علي مصائر مواليد الستينيات، لينتهي بهم الأمر علي ما هم عليه الآن. ما مشروعك الأدبي؟ - مشروعي هو الكتابة عن الطبقة الوسطي، فهي طبقة غنية، أراها رمانة الميزان، تآكلت وتغيرت تماما، أحاول رصد إيجابيات وسلبيات الطبقة الوسطي، مبادئها وكيف تعرضت للتغير والانهيار، رغم انها ليست السبب فيما آلت، إلا أنها لديها رغبة عارمة في التدمير الذاتي، تعاقب ذاتها والمجتمع عن التغيير الذي حدث لها. يقال إنك قارئة جيدة جدا، كيف ترين أحوال القراءة، وكيف هي قراءاتك؟ - تربيت في بيت به مكتبة، كانت القراءة عادة يومية، تميزت بالانفتاح، إنني قارئة منذ سن ال6 ابتدائي، بدأت بالمنفلوطي وجبران والأعمال الكاملة لمحفوظ، بهدف الاستمتاع، ولكنني لم ألبث أن قررت أن أقرا قراءة محترفة، أضع يدي خلالها علي قصة العمل لغة ورسما للشخصيات، و النظر في منطقية الأحداث، و جدة الفكرة. البعض لا يقرأ شيئا لمحفوظ، ويقول "أنا كاتب و قارئ عظيم"، للأسف ليست لدينا "روشتة" قراءة، كان وجودها سيضمن لنا معرفة منتظمة، وكانت أحوالنا لتختلف الآن، علي المستوي الشخصي أحب قراءة البستان للمخزنجي، والحرافيش لمحفوظ، و"دنا فتدلي" للغيطاني، كلها أعمال كشفت لي أشياء داخل نفسي. في انتقالك من مقعد القارئ لمقعد الكاتب.. كيف بدا لك الأمر ؟ - كتبت للمرة الأولي عام 2004 كنت حينها أمر بضغوط نفسية تتعلق بتجربة سفري إلي كندا، الغربة، دفعتني إلي البوح عبر الكتابة، تمنيت لو كتبت مبكرا في سن العشرين، ولكنني لم أجرؤ، و لم أفكر حتي، فأنا أري أن الكتاب أنصاف آلهة، أو سحرة، يكتبون كلاما يسعدني وينقلني في مكاني إلي عوالم مختلفة، أما أنا فلست ساحرة، لذا تأملت الحياة من مقعد القارئ لفترة طويلة، وحين قررت الكتابة كنت قد نضجت، ومع انتقالي من هذا لذاك، ظللت أري البعض سحرة كالمخزنجي و الغيطاني وأصلان، وجبران وظل الساحر الأكبر هو محفوظ، بينما انكسرت صورة البعض في عيني، واكتشفت أنهم لم يفعلوا إعجازا.