تختلف أنواع الوعظ الروحي داخل الكنائس وإن كانت كلها تشترك في صفة واحدة ألا وهي الارتكاز علي الكتاب المقدس. كما تتنوع المدارس التي تشرح الكتاب المقدس وتظهر أسماء مختلفة فتجد من يتخصص في الوعظ الروحي وآخر في التفسيري. وهذا ما جعلنا نناقش موضوع الوعظ المسيحي وهل يجب أن يكون كل كاهن واعظاً جيدًا أم هي موهبة تختلف من شخص لآخر، وما صفات الواعظ الجيد والعظة الجيدة وهل الوعظ مهمة أساسية لكل كاهن أم لا؟ في البداية يقول القمص عبدالمسيح بسيط، كاهن كنيسة العذراء بمسطرد، إن قداسة البابا شنودة الثالث هو واعظ العصر نظرا لأسلوبه السهل والقدرة علي توصيل المعلومة بشكل مبسط وشيق. وأضاف هناك عدة أنواع من الوعظ فهناك الوعظ الروحي والتفسيري واللاهوتي والدفاعي والرمزي وكل نوع من الوعظ له من يتميز فيه فيتميز مثلا القس أرميا بولس في الوعظ الرمزي والقمص تادرس يعقوب في الوعظ التفسيري والأنبا مارتيروس، أسقف كنائس شرق السكة الحديد، في شرح طقوس القداس الإلهي اللورتلوجيا. وعن الصفات التي يجب أن تتوافر في الواعظ الجيد قال «بسيط»: الموهبة هي أول صفة لابد أن توجد في الواعظ الجيد لأنها تجعله يشرح المعلومة بعمق وفهم ويستطيع إيصالها بشكل جيد يجعل المستمعين ينتظرون ما سيقوله. الشق الثاني الذي بدونه تصبح العظة مجرد «كلام» هو القدوة فلابد أن يحيا الواعظ ما يقوله وتتطابق عظاته مع سلوكياته وأخلاقياته لينطبق عليه قول الكتاب «ينظرون أعمالكم الحسنة فيمجدون أباكم الذي في السموات». كما يجب أن يكون الواعظ دارسا وباحثا لأعلي مستوي خاصة أننا في عصر العولمة وعصر التشكيك في الكتاب المقدس لذلك لابد أن يكون «جاهزًا» للرد علي أي سؤال حتي إن كان خارج عظته. وأوضح: أن الوعظ هو المهمة الأولي للكاهن ويجب أن يكون دارسًا جيدًا للكتاب المقدس وأسرار الكنيسة والعقيدة وقادرًا علي الوعظ وذلك مثلما قال بولس لتلميذه تيموتاوس «انت هر، وبخ، عظ» ولذلك يشترط علي الكاهن أن ينمي مهاراته في الاتصال مع شعبه ودراسة الكتاب المقدس بعمق وفهم. وقال: تتم دراسة مادة الوعظ بالكلية الإكليريكية وكان يقوم بتدريسها القمص الراحل «بولس باسيلي» الذي كان واعظا قديرا وبليغًا في اللغة ويحتوي منهج الوعظ علي عدة عناصر منها كيفية تحضير عظة، والنقاط التي يجب أن توجد فيها، وكيفية إلقاء العظة بشكل جذاب واختيار الأمثلة التي تناسب العظة سواء من الكتاب المقدس أو الحياة العامة بحيث يتم توصيل الهدف بشكل مبسط. وأشار إلي أنه يمكن أن يشمل الوعظ النواحي الحياتية لشعب الكنيسة بحيث يكون المرجع فيها الكتاب المقدس وهذا يتطلب من الكاهن أن يكون علي دراية جيدة بعيوب شعب الكنيسة ومميزاتهم من خلال الاستماع لشكاواهم والاعترافات بدون أن يشعرهم أنه يتحدث عن شخص بذاته وبالتالي يعرفون أضرار بعض السلوكيات، ووصف «بسيط» الشخص الذي يعرف معلومات دينية عقائدية كثيرة بدون أن تتغير سلوكياته بالفريس: وهو المسمي الذي كان يطلقه اليهود علي فئة منهم كانوا يفسرون التوراة بشكل حرفي بدون أن يطبقوا ذلك علي حياتهم ولذلك لا معني للمعرفة بدون تطبيق ولا يمكن لأحد أن يسمع للعظة إذا كانت مجرد كلام وعبارات رنانة يطلقها الواعظ بدون أن يحياها. في الكنيسة الإنجيلية يعد القساوسة غبريال رزق الله ولبيب مشرقي، وإبراهيم سعيد مؤسس كنيسة قصر الدبارة في الخمسينيات من أشهر الوعاظ إضافة إلي الدكتور القس منيس عبدالنور والدكتور القس مكرم نجيب هذا ما أوضحه القس أشرف شوق راعي الكنيسة الإنجيلية بالمعادي مضيفًا: أن هناك مدرستين في الوعظ مدرسة أنطاكية التي تعتمد علي التفسير اللغوي والمعني المباشر إضافة إلي القرينة التاريخية للنص وتتبع الكنيسة الإنجيلية هذه المدرسة، مدرسة الإسكندرية التي تعتمد علي المعاني الروحية بدون النظر إلي الأصل اللغوي وتاريخ كتابة النص وتمشي علي نهجها الكنيسة الأرثوذكسية وإن كان الأب متي المسكين ممثلاً جيدًا وكبير للتفسير وفقًا لمدرسة أنطاكية بالرغم من كونه واحداً من آباء الإسكندرية. وأضاف «شوق» قائلاً إن التفسير من خلال المدرستين صحيح لأننا في النهاية نحتكم للنص الكتابي إلي جانب أننا لا نستطيع أن نفسر العهد الجديد في ضوء العهد القديم وإنما نفسر العهد القديم في ضوء العهد الجديد. كما أن الوعظ فيه شقان الأول الموضوع والثاني الشخص الذي يقدم هذه العظة، ولابد في الموضوع من دراسته بشكل جيد والانتقال من مقدمات صحيحة للوصول إلي نتائج صحيحة والتعامل مع الكتاب المقدس والنص الكتابي بشكل رئيسي. أما بالنسبة للشخص فلابد أن تكون فيه صفات معينة فلابد أن يكون قادرًا علي التأثير في الحضور ويمتلك كاريزما شخصية مميزة، يملك قواعد اللغة بشكل سليم، لديه استعدادات بحيث يكون دارسًا بشكل أكبر مما يعظ. وأضاف لابد من القسيس أن يكون واعظًا وهذا جزء أساسي من عمله يليه الرعاية ليس فقط واعظًا وإنما واعظ جيد وماهر وقال يتم تدريس مادتين للوعظ بكلية اللاهوت الإنجيلية الأولي وتشمل محاضرات عن الوعظ وتحضير العظة والثانية مادة تدريبية نقوم فيها بالوعظ أمام أساتذة الكلية الذين يقومون بالتقييم وتصحيح الأخطاء وتقييم العظة ونقاط الضعف والقوة الموجودة وتكوين تطبيقات عملية للعظة. وأضاف الأب «بطرس دانيال» كاهن كنيسة سان جوزيف بوسط القاهرة، يوجد العديد من الوعاظ الماهرين في الكنيسة الكاثوليكية بين الرهبان الجزويت والفرنسيسكان وخاصة أنهم يعظون بلغات عديدة وليست اللغة العربية فقط، وأضاف الأب دانيال الموهبة هي الأساس في الواعظ الجيد أضف إليها القراءة بتأمل بحيث إنه «يهضم» المعلومات بشكل جيد ويشرحها ببساطة وعمق في نفس الوقت، وأوضح: ليس شرطًا أن يكون الكاهن واعظًا جيدًا فهي موهبة فهناك من لديه موهبة في الترانيم وآخر في الخدمة، وهذا لا يعني ألا يكون دارسًا جيدًا للكتاب المقدس. وقال يتم أخذ مادة للوعظ ولكن ليس بشكل رئيسي وإنما تؤخذ النقاط الرئيسية لكيفية تحضير الوعظ والنقاط الأساسية فيها. بينما قسم د.جميل فخري أستاذ تاريخ الكنيسة بمعهد الدراسات القبطية الوعظ إلي عدة أنواع منها الوعظ التأملي والموضوعي والآياتي وكل منها يتم استخدامه فمثلا «الآياتي» - نسبة لآيات الإنجيل - يستخدم بكثرة أثناء القداس حيث يقوم الكاهن بشرح وتفسير آية من «إنجيل» اليوم، أما «الموضوعي» فيتم تحديد موضوع والتدليل عليه من خلال كل الآيات والمواقف التي تتحدث عنها. وأشار إلي أن مادة الوعظ يتم تدريسها في الكلية وكان أشهر من يدرسها القمص «بطرس جيد» شقيق البابا شنودة، وكاهن كنيسة العذراء بالزيتون. وأضاف هناك مواهب للوعظ لابد أن يتحلي بها الوعاظ منها القبول ودراسة الكتاب والعمق والتحدث بلغة يفهمها الشعب وكل ذلك بدون الخروج علي النص الكتابي والعقائدي للكتاب المقدس وتعاليم الآباء.