في 17 أغسطس عام 1987 زار الرئيس حسني مبارك مدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم، المدرسة التي درس وتعلم فيها، وباستثناء عدد محدود جداً من الأشخاص، لم يعرف الكثيرون أن الرئيس سيعلن عن أكبر وأهم مفاجأة في التاريخ المصري الحديث، بإعلان الرئيس عن طلب تعديل المادة 67 من الدستور وإجراء أول انتخابات رئاسية تعددية في مصر. خلال هذا اليوم استعد التليفزيون المصري جيداً للحدث، وأعطي وزير الإعلام أنس الفقي ،الذي كان يعلم، تعليمات بإعداد فقرات إخبارية مفتوحة، قبل الخطاب وبعده، تشمل استضافة عدد من السياسيين والبرلمانيين ورؤساء الأحزاب لتحليل ما جاء بالخطاب المهم، وبالطبع لم يكن أحد يعرف محتواه، لكن المفاجأة تحققت، ولم يتم تسريب الخبر وجرت تغطيته في التليفزيون بشكل مميز. وبدا من هذا الخطاب وما تبعه من إجراءات قانونية لتعديل الدستور أن مصر موشكة علي مرحلة مهمة في حياتها، يحلو للبعض وصفها بمرحلة الحراك السياسي، ويحلو لآخرين القول أنها مرحلة تغييرات سريعة ودرامية في الحياة السياسية المصرية، لكنها مرحلة جديدة أيضاً في التعامل الحكومي والحزبي في مصر تستحق التوقف والتحليل.. مقارنة الأفكار الكبيرة التي أنتجتها تلك الفترة.. وما تم تطبيقه فعلياً علي الأرض. وخلال السنوات الخمس الماضية شهدت مصر حراكاً سياسياً ونقابياً ومهنيا غير مسبوق، ولم يعد الحق في التظاهر أو الإضراب عن العمل لتحسين شروط العمل جريمة تخل بالنظام، بل أصبح حقًا متاحاً للجميع مارسته آلاف الشركات والمصانع والنقابات وحتي العاملين في الحكومة، لدرجة أن الأرصفة المحيطة بمجالس الشعب والشوري والوزراء تحولت إلي ما يشبه حديقة هايدبارك اللندنية الشهيرة.. وربما فاقتها في عدد ما شهدته من وقفات احتجاجية واعتصامات. مهنيا وعماليا وفئويا أصبحت الطبقة العاملة في مصر أكبر قدرة في التنظيم، والتعبير عن مطالبها، وبالتالي استطاعت نيل حقوقها المشروعة، وهو أمر لم يكن مألوفا في مصر من قبل، واتسمت معظم التحركات بالوعي الكبير من منظميها، رغم محاولات بعض القوي السياسية القفز علي هذه التحركات ومحاولة تسييسها، وتسويقها علي أنها تأتي في سياق إطار عام أكبر من العصيان المدني الذي يمارسه الشعب ضد السلطة الحاكمة، لدرجة أن كثير من الكتاب والسياسيين كتبوا مثلا عن إضراب موظفي الضرائب العقارية، باعتباره أول تمرد كبير من موظفي الحكومة عليها، وليس باعتباره تحركاً مهنيا انتهي بزوال المسبب. هذا جزء من صورة مصر في خمس سنوات، قيادة سياسية فتحت الباب لحرية غير مسبوقة، وشعب ، إلي حد ما، مارس حريته واختبر الكثير من الأسقف، بينما ظلت الأحزاب السياسية بلا استثناء، والأداء الحكومي أقل كثيرا من حركة الشارع وتطلعاته.. ومن الاستفادة من المناخ الإيجابي الذي أتيح لها خلال السنوات الخمس الماضية .. وهو ما نناقشه غدا .