إغلاق باب الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 بعد ساعات    "العمل" تكثف حملات التفتيش على محطات الوقود لضمان تطبيق الحد الأدنى للأجور    اسعار الفاكهة اليوم الأربعاء الموافق 15-10-2025 فى سوهاج    تعرف على أسعار الحديد والاسمنت اليوم الأحد الموافق 15-10-2025 فى سوهاج    ارتفاع صاروخي لأسعار الذهب 5560 لعيار 21 والأوقية تسجل 4146 دولار    باكستان تحصل على موافقة مبدئية من صندوق النقد على قروض بقيمة 1.2 مليار دولار    عاجل- التضامن تعلن بدء صرف تكافل وكرامة عن شهر أكتوبر    هيئة البث الإسرائيلية: 600 شاحنة مساعدات تدخل غزة مع إعادة فتح معبر رفح    خبير مغربي: إعادة إعمار غزة تتطلب دعما عربيا وإسلاميا كبيرا    القاهرة الإخبارية: دخول شاحنات للوقود ضمن قافلة المساعدات من مصر إلى غزة    وليد صلاح عبداللطيف يكشف عن "فضيحة" في قطاع ناشئي الزمالك    المستشار القانوني للزمالك: زيزو مديون للأبيض.. ولم نطلب التأجيل من اتحاد الكرة    4 منتخبات تتنافس على الملحق الأفريقي لكأس العالم    القنوات الناقلة لمباراة المغرب وفرنسا في كأس العالم للشباب 2025    اليوم.. الأهلي يخوض مرانه الأول تحت قيادة توروب    بعثة المصري تغادر إلى طرابلس الغرب صباح اليوم استعدادًا لملاقاة الاتحاد الليبي بالكونفيدرالية    محافظ أسيوط يتفقد موقع حادث سقوط تروسيكل بمصرف قناطر حواس بمنقباد    بتهمة إرسال صوراً خادشة للحياء.. السجن 5 سنوات لعامل بقنا    الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة: الأمطار على وصول    اليوم.. نظر محاكمة متهمة بخلية الهرم    غلق المتحف المصري الكبير اليوم استعدادا للحفل الرسمي    وزير الثقافة: خطط طموحة لقوافل ثقافية متكاملة لأطفال غزة.. ونعمل لتعزيز التعاون مع فلسطين    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء في سوهاج    لمدة 15 دقيقة.. أستاذ مناعة وبكتيريا توضح الطريقة الصحيحة لغسل اليدين (فيديو)    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بطريق إسكندرية الصحراوى    تراجع أسعار النفط وسط توقعات بوجود فائض في المعروض العام المقبل    اجتماع لوزراء دفاع الناتو والاتحاد الأوروبي بعد انتهاكات جوية روسية    اليوم.. آخر موعد للترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    الإفتاء: السير المخالف في الطرق العامة محرم شرعًا ويُحمّل صاحبه المسؤولية القانونية    متى يكون سجود السهو فى الصلاة قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 15 أكتوبر    أسعار الفراخ البلدي والبيضاء وكرتونة البيض الأبيض والأحمر الأربعاء 15 أكتوبر 2025    تسجيل أول إصابة محلية بفيروس شيكونجونيا في الولايات المتحدة منذ 6 سنوات    الفيلم السعودي «تشويش» يواصل حصد الجوائز عالميًّا    كل ما تريد معرفته عن سكر الدم وطرق تشخيص مرض السكري    طرق متنوعة لتحضير البيض المقلي بوصفات شهية للإفطار والعشاء    داليا عبد الرحيم تهنئ القارئ أحمد نعينع لتعيينه شيخًا لعموم المقارئ المصرية    تجمع القبائل والعشائر الفلسطينية في غزة يدعم الجهود الأمنية    ترامب يلغي تأشيرات أجانب سخروا من اغتيال تشارلي كيرك    في شهر الانتصارات.. رئيس جامعة الأزهر يفتتح أعمال تطوير مستشفى سيد جلال    الكنيسة الكلدانية تحتفل بختام ظهورات العذراء سيدة فاتيما في مصر    نتنياهو يحذر: إذا لم تلتزم حماس بالاتفاق "ستفتح أبواب الجحيم"    مميزات وعيوب برج السرطان: بين العاطفة والخيال والحنان    ياسمين علي تتصدر تريند جوجل بعد بيانها الحاسم حول شائعة زواجها وطلاقها    باسم يوسف: مراتي فلسطينية.. اتعذبت معايا وشهرتي كانت عبء عليها    بالصور.. محافظ الغربية في جولة بمولد السيد البدوي بمدينة طنطا    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    دماء في أم بيومي.. عجوز يقتل شابًا بطلق ناري في مشاجرة بقليوب    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طالبة بولاق الدكرور هنا فرج    بالفوز على كينيا وبدون هزيمة، كوت ديفوار تحسم تأهلها رسميا إلى مونديال 2026    لدورها الريادي في نشر المعرفة: مكتبة مصر العامة بقنا تحصد جائزة «مكتبة العام المتنقلة 2025»    «توت عنخ آمون يناديني».. الكلمات الأخيرة ل «كارنافون» ممول اكتشاف المقبرة الملكية (فيديو)    في 3 أيام .. وصفة بسيطة لتطويل الأظافر وتقويتها    باختصار.. أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. تجدد الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية.. نتنياهو: لن ندخر أى جهد لإعادة رفات المحتجزين فى غزة.. 90% من شوارع قطاع غزة تضررت جراء الحرب    متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة إلي خطاب المساعي المشكورة‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 04 - 2010

لم أنس أبدا ذلك اليوم‏,‏ فقد كان السادس والعشرون من فبراير‏2005‏ يوما تاريخيا بحق برغم أنه بدا في الصباح الباكر منه كأنه سوف يكون يوما آخر من أيام الأسبوع أو السنة أو العمر‏.‏ إذ قطعه اتصال تليفوني من الأمانة العامة للحزب الوطني الديموقراطي في السادسة صباحا تقول إن الرئيس مبارك سوف يلقي خطابا مهما في مدرسة المساعي المشكورة بالمنوفية‏,‏ ومن المطلوب وجودي مع عدد من أعضاء المجلس الأعلي للسياسات للاستماع إلي قائد الحزب‏.‏ ولم يمض وقت طويل حتي جاء تليفون آخر من قيادة حزبية رفيعة تقول إن خطاب الرئيس سوف يكون فيه ما يسعدني للغاية‏,‏ حيث يمس قضية تتعلق باتجاه آراء كثيرا أبديتها كتابة‏,‏ وفي المناقشات الحزبية المختلفة‏,‏ وبعد ذلك تعددت المكالمات التليفونية‏,‏ لكي تقول كل ذلك بينما لا يصرح أحد أبدا بفحوي الخطاب ولا طبيعة المفاجأة المنتظرة‏.‏
وهكذا‏,‏ انطلقت في طرق محافظة المنوفية حتي وصلت إلي المدرسة التي كنت أعلم أن الرئيس مبارك قد قضي فيها دراسته الثانوية‏,‏ وكنت أسمع عنها كثيرا عندما كنت في سنوات الدراسة الأولي بمدينة الباجور باعتبار أنها من مدارس محافظة المنوفية التاريخية والمرموقة وذائعة الصيت بالتقاليد والتعليم رفيع المستوي‏.‏
عندما وصلت هناك وجدت وجوها أعرفها لزملاء وأصدقاء وكلهم في حالة غير عادية من الحبور الذي تسربت أسبابه بأنه يعود لتعديلات دستورية مهمة‏;‏ أما الهمس الأكبر فقد كان وقانون الطوارئ أيضا‏.‏ ورجع الخاطر فورا إلي الأسابيع الأخيرة وبالتحديد إلي ذلك اللقاء الذي جري بين الرئيس مبارك وعدد من المثقفين والإعلاميين المصريين يوم الرابع والعشرين من يناير‏2005,‏ أي قبل شهر تقريبا من الخطاب‏,‏ حينما كان موضوع التعديلات الدستورية مطروحا‏,‏ ولفت النظر ساعتها أن الرئيس علق علي مقترحات قال بها الأستاذ صلاح عيسي في الموضوع إن ذلك كلام معقول ويمكن التفكير فيه‏.‏
في ذلك الوقت شطح بي الذهن إلي عالم النظريات في العلوم السياسية التي تفرق بوضوح ما بين المفكر والسياسي‏;‏ فالأول إذا سلمت نيته لا تحده حدود أو سقوف‏,‏ وعلي الأرجح فإنه مثالي بطبعه‏,‏ ويحسن الظن بالظروف‏,‏ وهو يريد التغيير ويتعجله‏;‏ والثاني لا بد أن يراجع‏,‏ ليس أولوياته وحده‏,‏ وإنما قبلها أولويات شعبه‏,‏ وهو محدود بالممكن‏,‏ ولا يهمه فقط خطوة التغيير الأولي‏,‏ وإنما خطوات التغيير التي تليها وما سوف يترتب عليها من تحولات وتكاليف‏.‏ الأول يحلق في آفاق بعيدة ويضجر من كل تأخير‏,‏ والثاني يعرف أن كل خطوة لها استعداداتها‏,‏ وظروفها الناضجة‏,‏ ومدي تقبل واستعداد الناس لها‏,‏ وكل ذلك بصبر أيوب وحكمة الخبرة والمنصب‏.‏
وبعيدا عن النظريات لا أدري شخصيا ما الذي جال في ذهن الرئيس مبارك ساعتها‏,‏ والأغلب أن حديث المثقفين والإعلاميين‏,‏ والمعقول منه وغير المعقول‏,‏ كون جزءا من عملية التفكير الجارية في ذهن الرئيس وداخل الحزب الوطني الديمقراطي حول أن اللحظة حان وقتها لتغييرات دستورية تخص واحدة من أهم مواد الدستور وهي التي تتناول طريقة اختيار رئيس الجمهورية‏.‏ وما جاء بعد ذلك في الخطاب معروف فقد تمت أكبر خطوة نوعية في التاريخ المصري منذ وحد الملك مينا القطرين حينما أصبح من خلال تعديل المادة‏76‏ رأس الدولة منتخبا من الشعب مباشرة‏,‏ ومن خلال انتخابات رئاسية تنافسية يتساوي فيها المرشحون من حيث طرح البرامج‏,‏ والتفاعل مع الرأي العام‏.‏ وفوق ذلك أعلن الرئيس أنه آن الأوان لكي يتم إعداد قانون لمكافحة الإرهاب يصبح معه استمرار حالة الطوارئ لا معني له‏,‏ قياسا علي ما حدث في بلدان أخري‏.‏
ما جري بعد ذلك معروف من تطورات وجدل حول التعديلات الدستورية التي جاءت بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في عام‏2005,‏ وكان لي رأي فيها مسجل في جلسات الاستماع التي عقدها مجلس الشعب‏,‏ وفي الجلسات التي عقدها الحزب الوطني سواء كانت موسعة أو ضيقة تجمع مجموعة من الخبراء‏,‏ وبعد ذلك مجموعة من المقالات التي خصصتها للموضوع ونشرت في صحيفة الأهرام وصحف أخري في ذلك الوقت‏,‏ ودارت كلها حول الجمهورية الرئاسية الديمقراطية‏.‏ ورغم الاختلاف هنا والتحفظ هناك‏,‏ فإن الأوضاع السياسية في مصر لم تعد كما كانت‏.‏
وربما لم تكن محض مصادفة أنه بينما كانت إجراءات الإصلاح السياسي تأخذ مجراها بأصوات عالية‏,‏ كانت تجري عملية تغيير اجتماعي واقتصادي واسعة كانت لها أصداؤها وضوضاؤها هي الأخري‏,‏ خاصة أن مصر‏,‏ والمنطقة‏,‏ أصبحت تشهد أكبر انفجار إعلامي بالكلمة والصوت والصورة‏.‏ وعلي الفضائيات المعلومة والافتراضية معا‏.‏ ومع كل ذلك لم يعد في مصر حراك سياسي فقط‏,‏ وإنما حراك اقتصادي وآخر اجتماعي لم يكونا أقل أهمية وخطورة من الحراك الأول‏.‏
ما تقودنا إليه هذه القصة‏,‏ هو أن كثيرا من الحراك السياسي الحالي كانت نقطة البداية فيه ذلك الخطاب في مدرسة المساعي المشكورة بمحافظة المنوفية الذي بدأ سلسلة من التغييرات وصلت بنا الآن إلي أن تحالف الأحزاب الأربعة الوفد والتجمع والناصري والجبهة الديمقراطية عقد مؤتمرا مطالبا بالتغيير الدستوري‏,‏ وإلي اتجاه مجموعة من المثقفين والإعلاميين الذين تقلبوا بين حركات سياسية كان لها أسماء شتي في مراحل مختلفة‏,‏ لكنها تركز أغلب الوقت علي ضرورة تغيير الدستور‏,‏ وأحيانا أخري علي تعديل مواد بعينها هي المواد‏76‏ و‏77‏و‏88.‏ وتلك الحركات وجدت في الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية زعيما ورمزا لها‏,‏ وذهبت في اتجاه الحصول علي التأييد السياسي لمطالبها الدستورية من خلال جمع توقيعات من المصريين‏.‏ ورغم أن نتيجة التوقيعات حتي وقت كتابة هذا المقال جاءت مخيبة للآمال‏,‏ حيث لم يوقع إلا عشرة آلاف مواطن من‏84‏ مليون مصري علي عريضة التغيير‏,‏ إلا أن القضية مع ذلك تظل مطروحة بإلحاح بين المثقفين والسياسيين وبطريقة لا يمكن تجاهلها‏.‏
وبصراحة‏,‏ ومع كل الاحترام لأصحاب الدعوات المطروحة‏,‏ والتوقيعات المختلفة‏,‏ فإن القضية الدستورية لن تكون مطروحة بحق ما لم يتولها أو يتبنها الحزب الوطني الديمقراطي ويضعها علي قائمة أولوياته ليس فقط لأنه الحزب الحاكم‏,‏ ولكن أيضا لأنه يضم نخبة كبيرة من خيرة العقول المصرية‏.‏ وداخل الحزب فإنه من المقدر تماما تلك الأسباب التي يراها جانب من الأعضاء حول عدم إلحاح القضية بالنسبة للمواطنين علي اتساعهم‏,‏ وضعف الطلب السياسي علي الموضوع من قبل الغالبية‏,‏ إلي جانب أن التعديلات الدستورية التي تمت فعلا لم يمر عليها إلا دورة سياسية انتخابية واحدة‏,‏ ومن ثم‏,‏ وكما هي الحال في بلاد العالم الأخري‏,‏ فإن الأمر كله يحتاج إلي فترة زمنية كافية ما بين تغيير وآخر بحيث لا يفقد الدستور احترامه كوثيقة قانونية لها القدرة علي الاستمرار والبقاء‏.‏
لكن هذه العوامل علي جدارتها تغفل أن المطروح هذه الأيام لا يتعلق بتعديلات دستورية فقط‏,‏ وإنما بالتفكير في ترتيبات بعيدة المدي لا ترتبط بالضرورة بالانتخابات المقبلة التي علينا جميعا في الحكم والمعارضة أن نعمل علي نزاهتها‏,‏ وفق التقاليد التي أرستها القواعد القائمة‏,‏ حتي يتم تغييرها من خلال عملية قانونية ودستورية تأخذ وقتها خلال فترة الرئاسة المقبلة‏.‏ وسبب هذا الطرح هو أن مصر تغيرت خلال السنوات الخمس الماضية بحيث أن الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي بل حتي الجغرافي والديموغرافي جعل القنوات السياسية في بلادنا أضيق من استيعاب الحراك الذي حدث في مصر‏.‏
لقد سبق في مقالات أخري أن فصلت في طبيعة التغييرات الجارية في مصر من أول الزيادة السكانية‏,‏ وزيادة نسبة الشباب الأفضل تعليما وصحة وعولمة واتصالا بالخارج‏,‏ والوصول إلي البحرين الأحمر والأبيض وخليجي سيناء‏,‏ وحتي التغيرات في حجم الطبقة الوسطي والثورة الإعلامية الجارية في البلاد‏.‏ ولكن ما أضيفه هنا هو التأثيرات الكبيرة لتنفيذ برنامج الرئيس مبارك‏,‏ الذي أوشك علي الاكتمال رغم الأزمة الاقتصادية‏,‏ حيث جري بناء ألف مصنع‏,‏ وآلاف المدارس والمستشفيات‏,‏ والتوسع الهائل في البنية الأساسية‏,‏ وتحقيق أكبر وأعمق إصلاح مالي في البنوك وشركات التأمين والبنك المركزي‏,‏ وإصدار قوانين هيكلية من ضريبة الدخل والعقارات والمعاشات والمباني وتحرير الطريق أمام القطاع الخاص‏,‏ وتتويج ذلك كله باستثمارات فعلية مصرية وأجنبية سوف تتجاوز تريليون جنيه مصري مع نهاية الفترة الرئاسية الحالية‏.‏
كل ذلك في بلد مثل مصر لا يجعلها تبقي علي ما هي عليه‏,‏ بل يعيد تشكيلها اقتصاديا واجتماعيا‏,‏ بحيث يصبح من الصعب تجاهل ضرورة إعادة التشكيل السياسي أيضا بشرط الإعداد الجيد‏,‏ والتوافق الوطني حول التغيرات المطلوبة‏;‏ والأهم من ذلك كله أن نواجه القضايا الأساسية التي طالما كانت موضعا للشد والجذب مثل علاقة الدين والدولة‏,‏ ومدي تدخل الدولة في الاقتصاد والمجتمع‏,‏ وعلاقة مصر بالعالم الذي تعيش فيه‏;‏ وهي قضايا كلها يجري تجاهلها‏,‏ بل الهروب منها‏,‏ من قبل كثرة ممن يصرخون بالتعديلات الدستورية الآن‏.‏
التفكير إذن مطلوب من قبل الحزب الوطني الديمقراطي وكما كان هو الذي قاد الطريق إلي التعديلات الدستورية الأخيرة فإن من واجبه أن يقود البلاد إلي التغييرات القادمة‏,‏ ويحدد موعدها‏,‏ في الوقت الذي يدير فيه عمليات الانتخاب المقبلة‏.‏ وهنا فإن العودة إلي خطاب المساعي المشكورة يطرح مرة أخري مسألة وضع قانون لمكافحة الإرهاب يؤدي إلي إنهاء حالة الطوارئ‏.‏ وفي حدود العلم فإن المناقشات التي جرت داخل الحزب الوطني‏,‏ وبين الجهات الأمنية والقانونية المعنية‏,‏ كان فيها توافقات واسعة حصرت الخلاف حول قضيتين‏:‏ أولاهما مدة الحبس الاحتياطي المتاحة لرجال الأمن لاستخدامها للتحقيق في قضايا إرهابية حرجة تهدد أمن البلاد‏;‏ وثانيتها‏,‏ الواجب عمله مع أعداد كبيرة من الإرهابيين الذين سوف يخرجون من السجون دون بادرة قاطعة منهم علي استعداد للتخلي عن العنف والإرهاب‏.‏
ولا توجد نية هنا في هذا المقال للتدخل لصالح هذه الحجة أو تلك خاصة أن المشاركين فيها من أساطين القانون‏,‏ وخبراء الأمن الكبار‏,‏ وكما هي العادة في مثل هذه الأحوال فإن الهم الأول لرجل القانون هو حماية الحريات العامة‏;‏ أما رجل الأمن فإن همه الأول هو حماية الأمن والاستقرار في البلاد‏,‏ وكلا التوجهين مشروع ومقدر‏.‏ ومع ذلك فإن هناك مجموعة من الاعتبارات التي يصعب تجاهلها‏:‏ أولها‏,‏ أن هناك وعدا رئاسيا في مدرسة المساعي المشكورة وهذا الوعد تكليف لكل الجهات المعنية أن تقوم بواجبها في البحث عن التوازن الذي وصلت له بلاد العالم المختلفة ما بين الحريات العامة والفردية من ناحية ومقتضيات الأمن من ناحية أخري‏.‏
وثانيها‏,‏ أن إجراء الانتخابات العامة المقبلة لمجلسي الشوري والشعب‏,‏ ثم انتخاب رئيس الجمهورية‏,‏ سوف يتعرض لحرج ما في الداخل والخارج‏,‏ إذا ما حدث في ظل قانون الطوارئ‏.‏
وثالثها‏,‏ أنه آن الأوان لقفزة هائلة في تمويل الأجهزة الأمنية بحيث تستطيع التعامل دون مزيد من الإرهاق مع التحديات المتزايدة للإرهاب المحلي والدولي‏.‏ ومن المدهش أن يكون للعاملين في مجالات التعليم والصحة والأزهر‏,‏ والموظفين العموميين في الدولة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام من يعمل علي زيادة مواردهم من الموازنة العامة‏,‏ بينما لايوجد من يعمل علي ذلك بالنسبة للرجال الذين يضعون أرواحهم علي أكفهم من أجل حماية أمن الوطن‏.‏ والمسألة هنا ليست فقط إعطاء المزيد من الرعاية لقطاع مهم من قطاعات الشعب المصري‏,‏ ولكن إعطاء‏,‏ه أيضا مزيدا من القدرات للتعامل مع أوضاع أمنية متغيرة حال إنهاء قانون الطوارئ‏.‏
ورابعها‏,‏ أنه لا بأس من المرحلية أحيانا في التعامل مع قضايا معقدة‏,‏ وإذا كان إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين الإرهابيين سوف يسبب رهقا للأجهزة الأمنية فإن اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة الإرهاب يمكنها أن تجعل عملية إطلاق سراح المعتقلين علي مراحل حسب التوسع في القدرات المتاحة‏.‏
وخامسها‏,‏ وبصراحة كاملة‏,‏ فإن وضع عملية مكافحة الإرهاب والعنف علي عاتق قوات وأجهزة الأمن وحدها هو تهرب من المسئولية السياسية والفكرية لجماعات شتي تقع في الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وأجهزة الإعلام المختلفة‏;‏ مادام الإرهاب يبدأ أولا في عقول البشر‏,‏ فإن المعركة الأساسية تجري هناك أيضا في عقول البشر‏.‏
لقد انتهي خطاب المساعي المشكورة بحزمة من السياسات المفعمة بالآمال الكبري حول نقلة كيفية في الحياة السياسية والاقتصادية المصرية ربما كان أهم ما فيها أنها أضافت التنمية وهو مفهوم شامل يعني تقدم المجتمع كله إلي الأمن كجوهر للسياسة المصرية‏.‏ وبالفعل تمت ترجمة ذلك كله إلي سياسات وأفعال جري تطبيقها خلال السنوات القليلة الماضية وبدرجة مناسبة من النجاح والإنجاز‏.‏
والآن‏,‏ وداخل الحزب الوطني تحديدا‏,‏ فقد آن أوان التفكير فيما يجب التفكير فيه للبناء علي ما سبق خلال السنوات الخمس الماضية‏;‏ وهي سنوات لم تكن سهلة علي الإطلاق‏,‏ فما كانت المجالس التشريعية علي الحال التي كانت عليها من قبل‏,‏ وما كانت الأسواق علي الحال التي كانت عليها في الماضي‏,‏ وما بين أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والمواد والطاقة‏,‏ والأزمة الاقتصادية والمالية العالمية جرت عملية الإصلاح الاقتصادي والسياسي في مصر‏,‏ وكانت هي وحدها الضامن لاستمرار المسيرة المصرية نحو الأمن والتنمية دون اضطراب‏.‏
التحدي القائم الآن هو كيف نعد البلاد سياسيا للتعامل مع عالم ما بعد الأزمة الاقتصادية الذي ظهرت بعض من ملامحه وقسماته في تحديات تأتي لبلادنا ليس من الدول الغربية فقط وإنما من الصين والهند‏,‏ حيث القدرة علي إنتاج السلع والخدمات بأسعار التراب‏,‏ كما يقال‏,‏ تضغط علي الدول النامية بأكثر من ضغطها علي الدول المتقدمة‏.‏ ولكن هذه قصة أخري‏,‏ تتطلب حديثا آخر‏,‏ ولكن المغزي منها أننا نعيش في عالم لا يكف عن التغير‏,‏ وما لم نتغير أيضا‏,‏ وبالسرعة المناسبة‏,‏ فإن تكلفة المستقبل سوف تكون أعلي مما نتصور؟‏!.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.