حقًا.. ما أحوجنا إلي لحظات نشعر فيها بالسعادة ونحن نهنئ بعضنا بعضا بالمناسبات والأعياد، ويأتي عيد الفطر هذا العام ونحن مقدمون علي موسم انتخابات ساخن إلي حد كبير لذلك تختلط العبارات الصادقة بالعبارات المزيفة وتبقي المشاعر دائمًا هي الحكم النزيه في نظرتنا لهذه الأمور المعنوية. ويبدأ الشخص منا في تصنيف هذا الكم الهائل من التهاني والمباركات بقدوم العيد إلي أصناف متعددة طبقا لمآرب الناس ومشاربهم فهناك أفراد العائلة من الأهل والأبناء والإخوان وهناك الأحبة والأصدقاء وهناك زملاء العمل مرؤوسين ورؤساء وهناك بعض الشخصيات العامة أضف إلي هؤلاء هذا الصنف الجديد من المهنئين الوافدين من حلبة الصراع الانتخابي. فجميع المرشحين يتسابقون في إرسال عبارات التهاني بمناسبة وبدون مناسبة عبر رسائل التليفون وعبر التليفون ذاته الأمر الذي جعل المرء يتوجس خيفة من التهاني، فما أسوأها تهنئة وما أحقره تواصلا إذا كان لعلة ومصلحة، لقد اختلطت السياسة بالدين فخرج الإرهاب البغيض واختلطت السياسة بالعلاقات الاجتماعية فتولد النفاق المقيت. لقد اختلط الحابل بالنابل وصارت الأمور حيص بيص لكن علي كل الأحوال نحن نسعد كثيرًا بكل تهنئة تصل إلينا شريطة أن تكون مجردة وخالصة وليست لغرض أو مصلحة، وها أنا ذا أرسل لجميع أبناء الشعب المصري الأصيل بأسمي آيات التهاني بعيد الفطر المبارك الذي يعقب شعيرة هي من أسمي وأجل الشعائر التي عرفتها النفس البشرية ألا وهي شعيرة الصيام الذي يعد بابا للتقوي والتقرب إلي الله عز وجل فكل عام ومصرنا الطيبة بكل خير. كل عام وليس كل سنة، وأدعوكم جميعًا أعزائي القراء إلي استخدام عبارة «كل عام وأنتم بخير» بدلا من «كل سنة وأنتم بخير» فكلمة «عام» تختلف كثيرًا عن كلمة «سنة» فالأولي أي كلمة «عام» تستخدم في أوقات الرخاء والسلام أم كلمة «سنة» فتستخدم في أوقات الشدة والضيق والأزمات يقول الله عز وجل في سورة العنكبوت آية 14 (ولقد أرسلنا نوحا إلي قوم فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا فأخذهم الطوفان وهم ظالمون» كما قال رب العزة في الآية 47 من سورة يوسف «تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون» وجاء في الآية 49 من نفس السورة قوله تعالي «ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون». فالقرآن العظيم جاءنا بلفظة سنة مقترنة بأجواء الضيق والكوارث مثلما كانت سنوات الشدة التي عاشها المصريون لمدة سبع سنوات متواصلة من المجاعة والقحط ثم جاء عام من الفرج والرخاء بعد الاستماع إلي نصيحة يوسف الصديق عليه السلام. الخلاصة أدعو جميع قرائي الأعزاء إلي استخدام لفظة عام بدلا من لفظة سنة وعلينا جميعًا أن نتسلح بسلاح التفاؤل وننفض عن أنفسنا غبار التشاؤم والإحباط وعلينا كذلك أن نستغل مناسبة الأعياد لنقف وقفات جادة مع أنفسنا نقيم ما جري ونخطط لما نريده أن يجري في المستقبل فهي فرصة حقيقية لالتقاط الأنفاس ومراجعة النفس، بيد أن من يراجع نفسه مراجعة صحيحة سيجد نفسه مقصرًا ولديه من النقائص ما إن بدأ في إصلاحه لن ينتهي حتي ينقضي الأجل. إننا جميعًا نعيش علي نقد الآخرين وتقييم الآخرين وتوجيه النصائح للآخرين وفي غمرة هذا الكم الهائل من مواجهة الغير نسينا مراجعة وتقييم ونقد أنفسنا، لذلك تحول المجتمع المصري إلي مجتمع غريب ويحتاج إلي عمل دءوب للوقوف علي مفاتيحه وأسراره لنتمكن في النهاية من وضع لبنات الإصلاح الشامل، إني أنتهز فرصة هذه الأجواء الاحتفالية التي تمر بها البلاد لأوجه هذه الكلمات البسيطة والمبعثرة فأنا أكتبها صائما وستقرؤنها مفطرين أعاد الله هذه الأيام والمناسبات بكل خير علي أوطاننا.