لعلها المرة الأولي منذ مارست العمل الصحفي قبل 22 عاماً أري فيها حالة من التوافق بين مختلف ألوان الطيف السياسي، علي كفاءة وزير، وقدرته علي القيام بمهام عمله، بمهارة، واقتدار، في نفس الوقت الذي يحافظ فيه علي جسور التواصل قائمة لا تنقطع، معتمداً الحوار وسيلة للنقاش مع مخالفيه، حتي في قضية مثل الصكوك الشعبية التي تبناها وطرحها ووجدت رفضاً كبيراً، ولم يجد غضاضة في الذهاب إلي الأحزاب السياسية والتحاور حولها. محمود محيي الدين وزير الاستثمار حالة في الأداء الحكومي المصري، فقد تولي الوزارة وهو علي مشارف الأربعين، وفي عامه السادس والأربعين جري ترشيحه لنيل ثاني أهم منصب في البنك الدولي، وهو مدير البنك، ولم يأت هذا الترشيح لعلاقة شخصية تربطه بالقائمين علي أمر مثل هذه الترشيحات، ولا لأنه ينفذ سياسة البنك حرفيا، بل علي العكس، قام بثورة لإصلاح الكثير من مؤسسات قطاع الأعمال العام وتحويلها من كيانات خاسرة إلي هياكل لقتصادية ناجحة. وقد تختلف أو تتفق مع محمود محيي الدين لكن لا بد في النهاية أن تحترمه، كما يحترمك، لأنه صاحب تجربة عريضة، لم تنشأ خلال عمله الوزاري، وإنما ولدت معه، فهو سليل عائلة محيي الدين بمدينة كفر شكر في القليوبية.. تلك العائلة التي حافظت علي عضوية مجلس النواب قبل الثورة، ثم البرلمان بعد الثورة. وأخرجت هذه العائلة كثيراً ممن شاركوا في صناعة التاريخ المصري، منهم زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس الجمهورية الأسبق، وخالد محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة أيضاً، والزعيم التاريخي لليسار المصري، وهو أول رئيس حزب سياسي في مصر يتقاعد من العمل العام بكامل إرادته، وفؤاد محيي الدين رئيس مجلس الوزارء الأسبق، وهو رئيس الحكومة المصرية الوحيد الذي وافته المنية وهو يؤدي مهام عمله في مبني مجلس الوزراء. شرب محمود محيي الدين منذ صغره عصير السياسة من أعمامه زكريا وخالد وفؤاد، وبنفس القدر من والده صفوت محيي الدين النائب السابق في البرلمان، وشهد في بداياته، كيف تنافس والده عن الحزب الحاكم وعمه رئيس حزب التجمع علي مقعد الدائرة، واستوعب جيدا فكرة التنافس السياسي دون أن يتحول إلي خلاف أو معارك وضرب تحت الحزام، لأن ابني العم من عائلة محيي الدين خاضا معركة تنافسية شريفة جدا. وفي أثناء دراساته الجامعية بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة (1986 - 1990) نشط محمود محيي الدين في الحركة الطلابية، وكان من أبرز الناشطين في تظاهرات طلابية عام 1984 للمطالبة بتعديل لائحة الاتحادات الطلابية، وإلغاء إشراف أعضاء هيئة التدريس عليها. محمود محيي الدين أستاذ اقتصاد بارز في الجامعة، وسياسي محنك بتجربة عريضة، وفلاح ابن بلد يعيش حياة الناس العاديين وهمومهم، وإذا كان اختياره مديراً للبنك الدولي منصباً سياسياً واقتصادياً مهماً لم يسبقه إليه أي مصري، وهو بالتأكيد له مقابل مادي ضخم.. لكن يجب ألا يقبل المنصب، فمصر بحاجة إلي هذه الخلطة السياسة النادرة.. بحاجة إلي وزراء يفهمون في السياسة، ولا يتعلمونها في الوزارة.