الله أكبر .. الله أكبر.. سمعتها واضحة، قوية، مزلزلة من داخل بيتنا ، ومن خارجه ..كأن الآذان قد توحدت.. فالشوق واحد.. والأمل واحد.. والهدف واحد.. والطريق واحد.. إلي سيناء.. أرض الفيروز، وقبلة المشتاق. الله أكبر .. الله أكبر .. نداء يتكرر الله أكبر .. الله أكبر .. زغرودة انطلقت من أمي وهي تنظر إلي أبي تستأذنه السماح في فعل لم يتكرر في حياة أسرتي ، حتي في نجاح الأبناء ، أو في أي حادث سعيد ، فقد كانت أمي تترك مظاهر الاحتفال لمجاملات الجيران ومشاركاتهم. الله أكبر ..الله أكبر.. تعلو .. وتعلو .. ويتعلق قلبي بالنداء ، ولكني أريد أن أفهم .. انخرط أبي في بكاء مكتوم .. ثم قام فصلي . شاهدته .. ولم أسمعه.. ربما كان ذلك هو أول شعور بالارتباك يصيبني .. فأنا مازلت لا أفهم ما يحدث. وفي السياق أتذكر أن أبي لم يبك في حياته علي الأقل أمامنا سوي ثلاث مرات علي وجه التحديد.. كانت هذه هي الأولي في حياته وحياتي، أما الثانية فقد رأيته عليها وهو يحمل شقيقا لي يكبرني بعد أن فارق الحياة بين يديه وأمام عيني، أما الثالثة فهي لحظة أن فارق أبي نفسه الحياة، علي الرغم من أنه بدا لنا متبسما، كان يستشعر اللحظة بكامل قسوتها .. فقد نظر الي أشقائي وبكي في رفق، وذهبت إليه بعد وفاته بدقائق ورأيت علي وجهه ألم الفراق .. رحمك الله يا أبي.. أما المرة الرابعة التي لم أره عليها، فكانت بحسب روايته وقد كان نادر الحكي يوم هزيمة 1967 النكراء.. الآن ماذا يبكيك يا أبي ..؟ وهي المرة الأولي التي أجدك فيها علي هذا النحو من الضعف .. هل يوجد ما يسمي بضعف الشعور بالقوة؟! عبرنا .. انتصرنا .. رفعنا العلم والراية علي أرض سيناء المغتصبة، التي كانت مدنسة.. انطلقت الزغاريد..واحد من جيراننا أعد شربات الورد اللذيذ في أضخم إناء شاهدته قبل اليوم، وزوده بلوح من الثلج ناصع البياض والنقاء.. وتم توزيعه في آنية من الألومنيوم الرقيق علي الإفطار.. مصر أصبحت جميلة.. وناسها تذوقوا طعم السعادة.. بعد سبات حزين.. الناس سعداء..ونسينا ابن عمي علي الجبهة.. فقط قلنا لزوجته " مبروك " دون أن نسأل عن سلامته.. سلامة مصر أهم وأبقي.. وهي فوق الجميع. أتذكر الآن أن أغلب سكان البناية التي نسكنها تجمعوا في شقة واحدة، وتناولنا الإفطار ملتصقين، ملتحمين.. الناس تضحك ولا تكتفي بابتسامة.. الضحكة أجمل.. شهر رمضان أجمل.. تذوقنا كلمة " العبور " التي ربما نكون قد نسيناها الآن.. كنا غير مدركين وقتها أن " العبور " شمل معنوياتنا وأخلاقنا وسلوكياتنا.. لدرجة وحدتنا.. الكل في واحد حقا. سهرنا نحن الأطفال في الليالي التالية حتي صلاة الفجر، نلعب ونمرح، ونستمع الي البيانات العسكرية من المقهي القريب علي ناصية شارعنا. قمنا بتصنيع مسدسات، وبندقيات من الخشب والبلاستيك، لنقلد أبطالنا وهم يحصدون المغتصب.. ويسلسلونهم كأسري حرب.. كنا نحفظ كل أغنية وطنية عبر اذاعتها لأول مرة.. بسم الله.. الله اكبر باسم الله.. أذن وكبر بسم الله بسم الله.. وأدان ع المدنة.. بسم الله بسم الله.. أذن وكبر بسم الله بسم الله وانا علي الربابة باغني..واغني غنوة الحرية عاش.. عاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب عاش العرب اللي في ليلة أصبحوا ملايين تحارب عاش اللي قال يا مصر مافيش محال راحة فين ياعروسة يام توب أخضر راح اجيب الورد واجيب سكر راحة فين يا عروسة بالسكر راح اجيب شربات شهد مكرر