من واشنطن: قبل عام تقريباً، كنا نزور واشنطن صحفياً، حيث نتابع « انا و مجموعة من الزملاء» قمة الرئيس مبارك مع الرئيس أوباما..قادتني صدف البحث علي الانترنت الي صورة صحفية لافتة.. بدا فيها الرئيس مبارك ملتحفا بمعطف داكن اللون يحمي نفسه من تيار الهواء الذي تصنعه مروحية هليوكوبتر كان قد هبط منها للتو، حيث احتفي به الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش داعياً إياه إلي دخول مزرعته في تكساس.. بينما في خلفية الصورة كان جمال مبارك يهبط من الطائرة. نشرت هذه الصورة التى يعود تاريخها الى 2004 ، نشرتها في العام الماضي، وكتبت تحتها تعليقاً في مجلة «روز اليوسف».. مشيراً إلي أن تلك لم تكن الزيارة الأولي لجمال مبارك للولايات المتحدة.. أي زيارة العام 2009 .. وقد تذكرت هذه الصورة مساء يوم الخميس بتوقيت واشنطن.. بعد أن عدت من المشاركة في تغطية حدث انطلاق المفاوضات المباشرة في البيت الأبيض.. ووجدت قناة الجزيرة منهمكة حتي أذنيها في تحليل أسباب سفر جمال مبارك إلي واشنطن. لم أعد من متابعي الجزيرة منذ زمن - لا أنتبه إليها إلا حين ينبهني أحدهم لذلك - ولا أذكر أنني شاهدت شاشتها المثيرة للتوتر قبل ما يقترب من العام.. ربما حين كنت في نفس التوقيت أزور الولاياتالمتحدة - فالفنادق الأمريكية تضعها ضمن قائمة المشاهدة لمن تعتبر أنهم سائحون عرب - ولابد وأنت في غرفتك أن تعبر عليها بالصدفة.. ولابد أن تلفت النظر باعتبارها قناة عربية في قائمة من القنوات الأجنبية.. خصوصا إذا كنت تعاني من مشكلة فروق التوقيت ويراوغك النوم.. بينما المحطات الأمريكية تغرقها إعلانات تسويق ماكينات المطابخ والأجهزة الرياضية البلهاء .. هكذا لابد أن تجد نفسك و قد خنقت أنفاسك الجزيرة بكل ثقل ظلها وأصوات بعض مذيعيها (الضفداعية). ويا لسوء حظك، لو أنك اصطدت النوم للحظات، ثم فاجأك أحد المعلقين الجزيريين وهو يستدعي صوتاً من عمق بطنه وعبر من أطراف أصابع قدميه، ثم يقذف بكل هذا إلي وسادتك.. فتنتفض من النوم.. ما يدفعك إلي أن تلقى الريموت كنترول من النافذة.. غير أنه لا يمكن التعامل بنفس الطريقة - للأسف - مع الشاشة. في مرات عبوري عليها خلال الأيام الماضية استوقفتني ملاحظة مدهشة.. النشرة الاقتصادية للقناة أذاعت يوم الأربعاء خبراً عن إضراب عدد من موظفي الإدارة المحلية «مراكز المعلومات».. وقالت إنهم نحو خمسين.. واستكملت القناة الخبر ب «الكنكنة» أي العودة إلي الماضي بالفعل الناقص «كان»، و«كان».. وهي طريقة نعرف نحن الإعلاميين أنه يتم اللجوء إليها حين لا يكون في الخبر معلومة مهمة.. فيخدع البعض قارئه بأن يعيده إلي الماضي.. وبعد دقائق حل موعد النشرة العادية، فوجدت خبر الإضراب نفسه مدرجاً فيها.. كما لو أن إضراب خمسين مصرياً هو حدث دولي كبير جداً. ليس هذا هو المعني بالطبع.. ولكن المعني هو أن لدي الجزيرة هذه الأيام إحساساً بالغصة.. أو لنقل إنه لدي أصحابها ضيق ما من القاهرة ينفسون عنه وينفثونه عبر الشاشة..ضيق لااعتقد انه كان سيتواجد لو مثلا قيل ان مسئولا قطريا عبر على واشنطن جوا اثناء اعداد المفاوضات ..وانه لولا ذلك مانجح الامريكيون فى جمع الاسرائيلين مع الفلسطينين فى واشنطن ..ولذا تعيش قطر العظمى !!! تغطية القناة لحدث المفاوضات تعبّر عن انزعاج أكيد لدي الدوحة.. فيها تخوين وتسفيه وتشويه.. شيء ما يشعرك بأنهم غير مبسوطين لأن هذا الذي يجري لم تستشر فيه العاصمة القطرية مثلاً.. إذ كما يعرف الجميع فان الدوحة تقوم بمهمة حيوية في توجيه مجلس إدارة العالم. ولأن مجلس ادارة العالم قد تجرأ ولم يهتم باستشارة الدوحة.. كان من الطبيعي أن تعطي الجزيرة مساحة كبيرة لتحليل ما تعتقد أنه قصة «فظيعة» جداً بخصوص سفر جمال مبارك إلي واشنطن.. وأن تطعم هذا بتحليلات «عبقري عصره الخبير المدهش عبدالباري عطوان».. وقد تابعت من واشنطن كيف تثبت المشاهدون وصناع القرار وزعماء الدول أمام شاشة الجزيرة.. وهم ينصتون إلي تعليق الأستاذ عبدالباري.. أنت لن تصدق إلي أي مدي يعتمد علي مقولات عطوان في عشرين عاصمة علي الأقل لتحليل ما يحدث في الشرق الأوسط (!!!!). «الجزيرة» لم تكن وحدها.. الخبر نُشر أولاً في المصري اليوم أخذته جريدة هاآرتس الإسرائيلية وتعاملت معه بتوسع.. ومن ثم عادت المصري اليوم والتقطته من هاآرتس.. ونقلته عنها وحوّلته إلي مانشيت.. وبعدها ذهبت القصة إلي مائدة الجزيرة.. حيث تم الإيهام بأن جمال مبارك سافر إلي واشنطن لكي يتعرف إليه عن قرب عدد من المسئولين الأمريكيين. ما هذا الاستخفاف؟.. إلي هذه الدرجة يمكن أن تبلغ عمليات التضليل سقفا لا حد له.. وإلي هذا المستوي يمكن أن تتعمد وسائل إعلام «صحفية أو تليفزيونية» التشويه والرضوخ لأجندتها الأيديولوجية وإخفاء المعلومات علي القارئ والمتابع.. وإقناعه بتصورات خاصة مصدرها «عنديات» وسيلة الإعلام هذه أو تلك.. في ذلك المثلث المدهش إسرائيلياً وقطرياً ومصرياً. بخلاف دوره الحزبي، فإن جمال مبارك يقوم بمعاونة أبيه ومساعدته، وقد أعلن الرئيس ذلك مرارا وقاله في مناسبات إعلامية مختلفة، وضرب أمثلة بشخصيات أمريكية ودولية، ومن السخف مثلاً أن تحاول صحف ومحطات بهذا المستوي من التلفيق أن تدعي أن كل هذا الحدث الدولي في البيت الأبيض قد رتب من أجل أن يسافر جمال مبارك للولايات المتحدة. هؤلاء يعرفون الحقيقة ويتعمدون إخفاءها علي الرأي العام الذي يتابعهم، تدليس متكامل الأركان، كما أنه في ذات الوقت نوع من الانتقام المخلوط بالتشويه.. عبر وسائل الإعلام.. ولدي كل من هؤلاء الحلفاء المتناثرين: المصري اليوم في القاهرة- هاآرتس في تل أبيب- الجزيرة في الدوحة.. لدي كل منهم مبرراته ومن يحركه. اقرأ ايضا لعبدالله كمال : صور بنت البرادعى الادانه السياسيه لنواب العلاج الموقع الإلكترونى : www.abkamal.net البريد الإلكترونى : [email protected]