المسرح المصري الذي نحبه جميعاً سيبقي رغم كل محاولات تهميشه هو المكون المهم ضمن مكونات شخصية مصر الحديثة الثقافية. ومع اقتراب موعد محاكمة لجنة الدفاع المدني بالمسرح القومي جنائياً بمحكمة عابدين. بعد أن أعادت فتح التحقيق أحد الأجهزة المعنية، ووجه قرار الإحالة الاتهام لشريف عبد اللطيف مدير المسرح القومي آنذاك وعدد من الموظفين الذين اكتملت لهم أركان جريمة لا علاقة لهم بها، وتبقي جريمتهم الحقيقية التوقيع الشكلي علي استلام أجهزة الإنذار والإطفاء الذاتي ضد الحريق. ومنهم المسئول المالي والإداري فؤاد السيد وغيره، إنه السابع والعشرون من سبتمبر الجاري يقترب، ليعلن مرور عامين علي حريق المسرح القومي المصري الذي لا يزال مغلقاً حتي الآن. وقد ظللت علي اهتمام لا يفتر بعودة المسرح القومي، ولذلك أتذكره كل حين، ولا أكاد أصدق كيف مر المسئول عن حرقه دون عقاب. وعلي ضوء بحثي الشخصي واهتمامي بالأمر وردت وتوافرت أمامي مجموعة من الأسئلة لها علاقة بما حدث عام 2008 وما هو قابل للحدوث مرة أخري في أية لحظة. فقد علمت من مصدر مطلع أنه ومنذ عام 2005 وعقب حريق قصر ثقافة بني سويف، وجه السيد فاروق عبد السلام المشرف علي مكتب الوزير عناية اللواء علي هلال لتشكيل لجنة عامة تنفذ تعليمات الوزير بوضع خطة لتأمين وحماية كل المواقع الثقافية في جميع أنحاء مصر، مهمة صعبة خاصة مع تراكم الإهمال وانعدام الصيانة طوال سنوات اقتربت من ربع قرن من الزمان، عرفت فيها وزارة الثقافة سياسة زرع الشجرة الجديدة وترك القديمة تموت يأساً من إصلاحها. فقد بنيت بنايات جديدة علي أحدث الطرز بينما تركت كيانات ثقافية أخري منهارة خارج نطاق اللياقة الإنسانية لاستقبال الجمهور مثل قصر ثقافة الأنفوشي الذي كان الفنان الكبير فاروق حسني مديره، وغيره من أجهزة وزارة الثقافة التي تركت زمناً بلا أدني صيانة. وهي السياسة التي ساهمت في خلق مناخ عام من الألم لدي العاملين والمثقفين معاً، حيث شعر أعضاء مسرح الطليعة بأنهم أطراف مهملة بالنسبة لمركز الإبداع بدار الأوبرا فما بالك بقصر ثقافة أسيوط الذي تم إهماله حتي أغلق للإصلاح منذ عام مضي، ماذا يشعر أهله هناك وهو لا يعمل بينما يتجول رئيس الهيئة الحالي د. أحمد مجاهد في سرادقات ليلية تشبه الموالد المفتعلة ولا عمل لهم طوال العام. إنها إذن مشكلة من رسم السياسة الثقافة؟، إنهما سياسة صنع الإهمال التراكمي، ومحاولة لاصطناع قواعد غير مسبوقة في الإدارة، منها التجديد للسيد فاروق عبد السلام لمدة سنتين من اختصاص رئيس الوزراء.. ثم ثلاث سنوات من اختصاص رئيس الجمهورية وذلك بعد سن الستين، ثم يتم التعاقد معه كمشرف علي مكتب الوزير، ليس له توقيع وله كل الصلاحيات، ومنها اللجنة التي أسند رئاستها لعلي هلال لتأمين المسارح وهي اللجنة التي قامت بممارسة عامة عاجلة وتم البدء في العمل وحدثت إصلاحات منها نظام الاطفاء الذاتي بالمسرح القومي إلا أنه عند حدوث الحريق لم يعمل الجهاز لأن خزان المياه كان مغلقاً منذ أسبوع قبل الحريق بسبب تسريبه للمياه، وعليه فهو لا يعمل عند انطلاق جهاز الإنذار، وهذا هو تقرير خبير الأمن الصناعي. العميد حسن عبد الوهاب المنتدب للتحقيق في أسباب حريق القومي من النيابة العامة، ومستشار رئيس البيت للأمن الصناعي حالياً. فقد أشار لرداءة نوع الخزانات ومنها خزان القومي المعطل عام 2008 . المشكة أنه كل ثلاثة أشهر يتعطل واحد من تلك الخزانات بالمسارح آخرها خزان بمسرح الغد، وقبله خزان المسرح العائم وأخيراً خزان مسرح الحديقة الدولية والذي تم تجديده ولازالت آثار حطامه هناك. أحذر من تكرار حريق القومي مرة أخري، فالأمور ذات طابع عبثي دائري، فلوحة زهرة الخشاش سرقت عام 1978 وها هي تسرق مرة أخري، فهل ننتظر إحالة رئيس بيت ثقافي قريباً للمحاكمة بتهمة الإهمال الجسيم؟! فقط نحذر ونسأل: من المسئول عن استلام تطوير وتأمين المسارح بمواصفات غير قياسية؟ ولماذا يتجاهل المجتمع القاعدة القانونية التي تقول بمسئولية المتبوع عن أعمال التابع؟ ولماذا غابت المحاسبة والمراقبة في ظل منح الوزير لصلاحياته لكل رؤساء الأجهزة الثقافية؟ هل ننتظر إجابة؟ لا أعتقد فالمشرف العام المتعاقد للإشراف علي مكتب وزير الثقافة لا يحقق في فساد ما بعد حريق بني سويف، وإلا ما كان حريق القومي، وإلا ما كانت كل تلك المسارح المهددة بالحرق، أما صناعة السياسة الثقافية ومتابعة تنفيذها ومراجعة ومحاسبة القائمين عليها، فهي الأدوار التي تحتاج لتوضيح ضروري، داخل وزارة الثقافة، حرصاً علي معني وجودها داخل هذا الوطن.