البريد: يرجع نظام البريد إلي أيام أكاسرة الفرس وقياصرة الروم، علي أن مقاديره أو مسافاته لم تكن ثابتة بل كانت متفاوتة. وكان معاوية بن أبي سفيان أول من أدخل نظام البريد في الإسلام، أخذه عن الروم أثناء حكمهم في الشام، ولما تولي عبد الملك بن مروان خلافة الأمويين أدخل علي البريد عدة تحسينات حتي أصبح أداة مهمة في إدارة شئون الدولة. النظام الإداري في العصر العباسي: كانت الدولة العباسية في أوائل القرن الرابع الهجري تتألف من عدة ولايات هي: مصر، وفارس، والبصرة، والأهواز، والي، والشام، واصبهان، والثغور وكان يساعد الوالي أو الأمير في ولايته موظف كبير يسمي العامل أو صاحب الخراج، لأن عمله مقصور علي جمع الخراج وإرساله إلي بيت المال بحاضرة الدولة والإنفاق علي ما تتطلبه الولاية من ضروب الإصلاح. وكان هذا الموظف لا يقل في المنزلة عن الوالي أو الأمير، فيخاطب في المراسلات الخاصة به بما يخاطب به الوالي، كما ترسل إليه المنشورات في الوقت الذي ترسل فيه إلي الوالي الذي لا يمتاز عنه إلا بالصلاة بالناس في المسجد، ما يجعل ولايته اعم من العامل أو صاحب الخراج. وإذا اتفق كل من الوالي والعامل، كان هذا الاتفاق مصدر خير للولاية، وكثيرا ما أدي اتفاقهما إلي إثارة متاعب الدولة نفسها، ففي سنة 319ه استطاع والي فارس وكرمان وعامل الخراج فيهما أن يمنعا وصول الأموال إلي بغداد. وإذا اجتمع هذان المنصبان لرجل واحد أصبح أشد خطرا علي الخلافة، كما حدث حين امتنع بحكم التركي عن تولي أمور الأهواز مع بقاء عامل الخراج بجانبه، وحمل الخليفة العباسي علي أن تكون له الولاية والخراج، فأجيب إلي ذلك ( 325ه). ولما أخذت الدولة العباسية في الضعف، أصبح الولاة يؤثرون البقاء في بغداد أو في سامراء وينيبون عنهم من يدير شئون الولايات باسمهم، وكان من أثر هذه السياسة أن جنح بعض النواب والولاة إلي الاستقلال. كما كان لضعف السلطة المركزية أثر في استقلال ولاة الأقاليم البعيدة عن حاضرة الدولة: فنري احمد بن طولون يعمل علي الجمع بين وظيفتي الوالي (الحرب والصلاة) والعامل (الخراج) والاستقلال بمصر، ويحذو حذوه في ذلك محمد بن طغج الإخشيد. وكذلك فعل يعقوب بن الليث الصفار الذي استولي علي كثير من بلاد الدولة العباسية وحمل الخليفة علي الاعتراف بنفوذه فيها، وأسس الدولة الصفارية (254 - 290). واستطاع السامانيون أن يستقلوا ببلاد ما وراء النهر ويستحوذوا علي ما كان في أيدي الصفارية ويؤسسوا الدولة السامانية (261 - 389ه). وهذه الحالة السيئة تعلل قيام الدول المستقلة في ذلك العصر: فقد ظهرت في مصر الدولتان الطولونية والإخشيدية اللتين قامت علي أنقاضها الدولة الفاطمية، وظهر في المشرق دول الصفارية والسامانية والغزونية والبويهية في فارس وفي الري وهمذان وأصبهان. وكان يساعد الوالي والعامل في المدن جماعة من الموظفين أهمهم القاضي، والبندار ويعرف بكاتب السلعة، ومهنته المطالبة بالخراج ووجوه المال، وصاحب الجند وصاحب البريد، ومتولي السواقي أو الضياع السلطانية، وصاحب المعونة، وكان يساعد صاحب الجند، وكان هؤلاء الموظفون يعينون من قبل الوزير ويعزلون بعزله، ثم يعودون إلي الحكم بعودة الوزير ما أدي إلي إشاعة الاضطراب وكثرة التعطل. وكانت ولاية الأقاليم من المناصب الرفيعة في الدولة الإسلامية فقد ذكر القلقشندي كيفية تقليد الخلفاء العباسيين ولاة الأقاليم في هذه العبارة فقال: (وإن كان الذي يوليه الخليفة من ملوك النواحي البعيدة عن حضرة الخليفة، كملوك مصر إذا ذاك ونحوهم، جهز له التشريف من بغداد صحبة رسول من جهة الخليفة، وهو جبة أطلس أسود بطراز مذهب وطوق من ذهب يجعل في عنقه، وسواران من ذهب يجعلان في يديه، وسيف قرابه ملبس بالذهب، وفرس بمركب من ذهب وعلم أسود مكتوب عليه بالبياض اسم الخليفة ينشر علي رأسه، كما كان يبعث إلي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم أخيه العادل، فإذا وصل ذلك السلطان تلك الناحية، لبس الخلعة والعمامة وتقلد السيف وركب الفرس وسار في موكبه حتي يصل إلي محل ملكه، وربما جهز مع خلعة السلطان خلع أخري لولده أو لوزيره أو أحد من أقاربه بحسب ما يقتضيه الحال حينئذ. (للحديث بقية)