يكاد الأمر الوحيد الذي يتفق عليه الفلسطينيون والإسرائيليون بخصوص المفاوضات المباشرة التي سوف يتم إعلان اطلاقها في الثاني من سبتمبر هو أن احتمالات نجاح هذه المفاوضات محدودة وضئيلة ويكتنفها الكثير من الشكوك. وهنا يفرض هذا السؤال نفسه.. ولماذا إذن القبول بالذهاب إلي واشنطن والقبول فلسطينيا وعربيا بهذه المفاوضات المباشرة؟ الإجابة الشائعة والتي ترددت كثيرًا تفسر هذا القبول العربي والفلسطيني بالضغوط الأمريكية والتي كما قال البعض وصلت إلي حد التهديد غير المباشر بوقف المساعدات الأمريكية والأوروبية للفلسطينيين، وهي التي تغطي تقريبًا نصف احتياجاتهم اليوم في الضفة وغزة معا. لكن هناك بعض المسئولين الفلسطينيين حاولوا التقليل من شأن هذه التهديدات والضغوط مثلما فعل صائب عريقات الذي فرضت الدبلوماسية عليه ألا يعترف صراحة بهذه الضغوط، وإن كانت الفقرات التي أذاعها من رسالة أوباما إلي أبومازن تشي بمثل هذه الضغوط. وحتي إذا سلمنا بما قاله عريقات بأنه لا توجد ضغوط مباشرة فإن هذا لا ينفي أن السلطة الفلسطينية وجدت نفسها مضطرة للذهاب إلي المفاوضات المباشرة، وهي غير متفائلة بنتائجها. ويتمثل هذا الاضطرار في أنها تعرف مسبقًا أنها في حاجة إلي واشنطن ليس فقط لتدبير جزء كبير من احتياجاتها المالية، وإنما لوقف ما ستقوم به الحكومة الإسرائيلية مستقبلاً ضد الفلسطينيين إذا رفضت السلطة الفلسطينية الذهاب إلي المفاوضات المباشرة في 2 سبتمبر وجاء 26 سبتمبر وأعلن نتانياهو وقف التجميد الجزئي للاستيطان، لن تستطيع السلطة الفلسطينية أن تطلب من واشنطن وقتها الضغط علي نتانياهو لتمديد هذا التجميد، وهذا ما قاله أوباما صراحة لأبومازن في رسالته الشهيرة له التي دعاه فيها إلي هذه المفاوضات المباشرة. وإذا أمعنت حكومة نتانياهو في إجراءات طرد الفلسطينيين من القدسالشرقية وهدم المنازل والاغلاقات والاعتقالات في الضفة والاعتداءات في غزة، لن تستطيع السلطة الفلسطينية أن تطلب من واشنطن مساعدتها في مواجهة الإسرائيليين واعتداءاتهم.. لأنها سوف تسمع من المسئولين الأمريكيين وقتها في أفضل الأحوال اعتذارًا عن إمكانية فعل شيء بعد أن خذلها الفلسطينيون ولم يستجيبوا لدعوتها لبدء المفاوضات المباشرة. هذا هو تحديدًا السبب الحقيقي والمباشر لذهاب أبومازن إلي المفاوضات المباشرة والقبول العربي بها. أما إذا تعثرت هذه المفاوضات كما تذهب معظم التوقعات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية فإنه سيكون في مقدور أبومازن وقتها أن يقول لأوباما ألم أقل لك أن نتانياهو لم يتغير ومازال يرواغ حتي الآن ولا يريد اختيار طريق السلام.. وقتها سيكون في مقدور أبومازن أن يطلب من واشنطن ممارسة ضغوطها علي الحكومة الإسرائيلية بدلاً من توجه ضغوطها للفلسطينيين. هذا يعني أن الذهاب إلي واشنطن ليس بهدف اقتناص فرصة تلوح في الأفق للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية، ولكنه بهدف التخلص من مأزق أو ورطة كان الفلسطينيون والعرب سيجدون أنفسهم فيها.. لذلك اختاروا أن يظلوا وراء نتانياهو حتي باب الدار!