عادة ما تعرف الأحياء والقري بعلامات مميزة كأبنية تاريخية ومعمارية أو بشهرتها في صناعة معينة كالأثاث مثلا، لكن أن تصبح الرائحة هي عنوان القرية، فهذا هو الغريب، بخاصة اذا كانت رائحة مجاري! هذه هي حال قرية الوابور التابعة لمركز اطسا بمحافظة الفيوم، فبمجرد أن تطأ قدماك المكان، تزكم أنفك رائحة كريهة مصدرها مشهد قبيح مليء بمختلف أنواع الحشرات التي تجمعت حول البرك والمستنقعات الناجمة عن مياه الصرف الصحي التي تحيط بالمنازل وحولت معها حياة العديد من الأسر إلي جحيم؛ بعد أن أصبحت حتي فكرة الرحيل عن المنزل والانتقال لمنطقة أخري شبه مستحيلة، فمن سيشتري بيتا تحيطه المجاري من جميع أركانه ويعد مصدرا خصبا للأوبئة والحشرات؟! جغرافيا القرية حاليا تجعلها مقسومة الي جزءين ليسا متساويين بسبب عمليات كسر التربة الحجرية عن طريق الألغام يدوية الصنع في أواخر الثمانينيات للتوسع في البناء والعمران، واليوم تضم القرية في الواجهة أرضا مرتفعة وهي منطقة نظيفة علي شاكلة الصف الأول، ومن خلفها أرضا منخفضة يعاني سكانها من التلوث الخانق بسبب الاهمال المحلي اذ تغافل المسئولون المحليون عن بناء شبكة صرف صحي بالقرية مما أدي إلي زيادة خزانات الصرف الصحي التي يصنعها الأهالي أمام منازلهم . السبب في ذلك كما يقول محمد عبد العليم مدرس بالمدرسة الثانوية الصناعية بالقرية، هو "خزانات الصرف بالمنازل المرتفعة التي تصرف مياهها في الجزء المنخفض بالقرية، بينما يعجز الأهالي عن نزح هذه الخزانات لبعد مسافة التفريغ ولزيادة التكلفة". لكن رغم هذه البيئة الضارة بالصحة، فلا يجد أطفال قرية "الوابور" سواها ملعبا لهم، فتجدهم يلهون وسط المياه الملوثة والحشرات تنتقل فيما بينهم ربما حاملة لفيروسات تنهكهم لاحقا. يقول الحاج محمود عبد اللطيف أحد سكان القرية: " أولادنا بيمرضوا ومش عارفين نعمل إيه، وجت الضرائب العقارية زادت الطينة بلة؛ فكيف ندفع ضرائب عقارية ومياه المجاري مغرقانا؟!". ويضيف: " معاناتنا مستمرة منذ خمس سنوات ولا يوجد مسئول حكومي بيسأل فينا، وحتي مياه الصرف أصبحت بندا في ميزانية كل منزل بنصرف عليها يوميا 100 جنيه للتخلص منها، وكمان ندفع ضرائب عقارية؟ المياه سببت شروخا خطيرة في الأدوار الأرضية ودفعتنا للانتقال للأدوار العليا". "حتي المساجد لم ترحم مياه الصرف مداخلها"، هكذا قال شعبان زعير أحد سكان القرية معربا عن استيائه من المشهد المنفر من بيوت الله. وفي نهاية المطاف أرسل الأهالي شكوي للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة الذي أرسل بدوره لجنة تقصي حقائق قامت بالمعاينة، ولكن الأمور ظلت علي حالها ما يهدد بكارثة صحية خطيرة؛ فزيادة ملوحة الأرض تؤدي لتآكل مواسير مياه الشرب، مما يجعلها عرضة للاختلاط بمياه الصرف الصحي . يقول المهندس صابر سلامة أحد أعضاء اللجنة : «القرية تعيش مأساة حقيقية وهناك تقصير من جميع المسئولين بداية من المحافظ وصولا إلي مسئولي المحليات الذين تهربوا من مقابلاتنا». نفس الشكوي تكررت من الدكتور محمد ثروت مدير إدارة الأمراض المتوطنة بمديرية الصحة بالفيوم، اذ قال: " قمنا بمعاينة قرية الوابور، ووجدناها غارقة في مياه المجاري، فقمنا برش البرك والمستنقعات، وهو الإجراء الذي لا يمثل حلا للمشكلة، فالحل ممكن بشرط تعاون مسئولي المحليات الذين يرفضون مقابلتنا". فمن ينقذ الآلاف من سكان "الوابور" من جحيم مقيم ليس في قراهم فقط وإنما داخل منازلهم؟!