"تكلم حتي أراك".. قالها الفيلسوف اليوناني سقراط لأحد تلامذته كان يلزم الصمت.. بنفس المنطق كشفت الكلمات المحدودة التي نطق بها محمود عزت نائب مرشد جماعة الإخوان المحظورة أمام وسائل الإعلام عن كثير مما يدور في داخله. ظل عزت حين كان يشغل منصب الأمين العام للجماعة قبل انقلاب 9 يناير الماضي المسمي بانتخابات مكتب الإرشاد، حريصا علي الابتعاد عن وسائل الاعلام، واذا ما شارك في احد المؤتمرات الصحفية كان الوحيد بين المشاركين الذي لا يتحدث للإعلام.. يجلس بين المتحدثين وليس منهم .. يرقب جميع الحاضرين وينصرف دون أن يخاطبهم، وبذلك ظل غامضا مريبا، حتي قرر الحديث للاعلام. منذ الانقلاب الذي جعل منه أحد نواب المرشد، شرع محمود عزت في تطبيق سياسة مختلفة مع وسائل الاعلام.. بات لا يترك مؤتمرا الا ويشارك فيه ويتحدث إلي الاعلام خلال اللقاء أو بعده، وكان الأمر مخطط من قبل بعض القيادات الإعلامية المقربة منه وفي مقدمتهم جمال نصار المستشار الإعلامي لمكتب الإرشاد. الصمت دائما افضل من لغو الحديث، ومن فظ الكلمات.. علي هامش المؤتمر الصحفي الأخير الذي أعقب حفل افطار الجماعة، وقف عزت قليلا ينتظر اسئلة الاعلاميين، وحين جاءته كشفت ردوده ما يدور داخله.. سئل عن احتمالية التضييق علي مرشحات الجماعة السيدات في الانتخابات المقبلة، فرد قائلا "سمية كانت أول شهيدة في الإسلام".. سئل عن تراجع الضغوط الأمريكية بدعوي نشر الديمقراطية، فقال : ان الاقدار اقوي في اعمار الناس واحوالهم من أمريكا وقد تكون اشد اثرا في تغيير مصائر الشعوب والأوطان.. سئل عن مسلسل الجماعة فاتهم مؤلفه وحيد حامد بالتلفيق واختلاق الوقائع التاريخية، بل وعدم القدرة علي حياكة الوقائع دراميا، وكانه فجأة تحول إلي احد اكبر النقاد الفنيين. قد يكون المشتغلون بالإعلام ممن حول عزت نصحوه بالحديث بهدف تحسين صورته التي كشفتها وسائل الاعلام خلال رصدها وقائع الانقلاب الذي اطلق عليه انتخابات مكتب الإرشاد، ولكن فاتهم أن يحددوا له الكيفية التي يتحدث بها والطريقة التي ينتقي بها كلماته.. جعلوه يتحدث لقناتهم الأثيرة "الجزيرة" بعد أن طلبت استضافة محمد بديع مرشد الجماعة.. لكن تصريحاته لها لم تلغ من ذاكرة الاخوان تصريحاته للقناة نفسها التي أعلن خلالها انطلاق خطة تصفية المعارضين داخل الإخوان وسيطرة المتشددين علي الجماعة. الحديث للإعلام حرفة لا يجيدها عزت.. هو رجل تنظيم يجيد ادارة خيوط الجماعة بما يحقق اغراضه.. نجح هو ومهدي عاكف والكلام هنا للقيادي الإخواني السابق ابو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط منذ 1989 في الإطاحة بفريق كبير من المحسوبين علي الاصلاح داخل الجماعة في مقدمتهم ابو العلا نفسه وعبد المنعم ابو الفتوح والسيد عبد الستار المليجي من قسم الطلاب وحتي عندما عمل المليجي في مصر الجديدة كانت هناك أيضا "خميرة عكننة" من محمود عزت ضده حتي خرج من التنظيم فكان العنت معه اشد مما واجهنا عندما خرجنا من الجماعة.. عمل أمينا عاما حتي استطاع تأمين وصول فريق القطبيين الذي يتزعمه إلي رأس السلطة في الإخوان، بعدها ألقي القبض عليه بتهمة إحياء فكر سيد قطب وتكوين بؤر تنظيمية داخل الجماعة يشترط في عضويتها اعتناق الأفكار التكفيرية.