كان الأستاذ أحمد بهاء الدين، الذي فقدته مصر في الرابع والعشرين من أغسطس سنة 1996، جملة رجال في رجل واحد، فهو صحفي من رموز وعلامات التاريخ الصحفي المصري، وهو مفكر سياسي ناضج رشيد يخاصم الإسراف الانفعالي غير المحسوب، وهو قارئ بارع لتحولات المجتمع المصري وما يجد فيه من القضايا والهموم، وهو قبل ذلك كله مخلص لا يعرف الازدواجية والتناقض، فلا يكتب إلا ما يؤمن به ويراه صوابا وإن خالفته الأغلبية. ولد أحمد بهاء الدين سنة 1929، وتخرج في كلية الحقوق قرب نهاية الأربعينيات، وبعد كتابات عميقة ناضجة في مجلة «فصول»، التي ترأس تحريرها العملاق المحترم محمد زكي عبدالقادر، انضم بهاء إلي مدرسة «روزاليوسف»، مسلحا بالموهبة والكفاءة، حيث القلم الرشيق والأسلوب السلس الفريد، والقدرة علي اقتحام أعمق القضايا دون تعقيد أو غموض. تألق أحمد بهاء الدين في معظم المؤسسات الصحفية الكبري، فقد عمل في «دار الهلال» و«أخبار اليوم» و«الأهرام»، وامتدت رسالته المهنية الجادة لتصل إلي الكويت، حيث تولي رئاسة تحرير مجلة «العربي» المرموقة، بعد رحيل مؤسسها ورئيس تحريرها العلامة العالم الدكتور أحمد زكي بعد السنوات التي قضاها ليستقر فيها ويكتب عمودا يوميا ذائع الصيت. كان أحمد بهاء الدين مولعا بالتاريخ، منتميا إلي مدرسة في كتابته تراود البساطة والعمق معا، وتبتعد عن الشكليات والطقوس، يتجسد ذلك بوضوح في كتابه الرائد «أيام لها تاريخ»، الذي هو بمثابة الفتح الجديد في اقتحام التاريخ كأنه يهمس للقارئ بحكايات ذات مغزي، لا نفور منها أو انصراف عنها. أخلص الأستاذ بهاء للقضايا القومية طيلة حياته، وحال سقوطه مريضا دون متابعة الآثار الكارثية التي ترتبت علي غزو صدام حسين الأحمق للكويت.. لو أنه كان صحيحا معافي لأصابه المرض وسيطر عليه الذهول، فمن الذي يحتمل ضياع أحلام العمر في لحظة عبثية لا تفسير لها إلا الحماقة؟! مدرسة أحمد بهاء الدين لم ولن تغلق أبوابها، فلا يصح في النهاية إلا الصحيح، ولا يبقي علي الأرض إلا ما ينفع الناس.