اختلف معه ما شئت وقد تصطدم أحيانا ببعض آرائه وذلك وفق قناعتك السياسية وقد يكون لديك انتقادات إذا ما تعارضت هذه الآراء مع انتماءاتك الفكرية ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنك تكن له عظيم الاحترام. إنه الكاتب الراحل الكبير الأستاذ أحمد بهاء الدين وكلمة الأستاذ هنا ليست تبجيلا هو يستحقه وأهل له ولكنه لفظ تقييم لمسيرته الصحفية الزاخرة بكل ما هو قيم وصادق وموضوعى، والتى وصل بها لدرجة الأستاذية عن جدارة واستحقاق وإذا كان هناك كاتب تقرأ له لتعلم شيئا لم تكن تعلمه وكاتب آخر تقرأ له لتتعلم شيئا لم تتعلمه فإن أحمد بهاء الدين يكاد يكون هو الكاتب الوحيد الذى تقرأ له لتعلم وبنفس الدرجة أيضا لتتعلم. وقد ولد الأستاذ بهاء فى السابع عشر من فبراير 1927 بقرية الدوير مركز صوفا بمحافظة أسيوط ورحل عن عالمنا فى الرابع والعشرين من أغسطس 1996 وتشاء الأقدار أن يبتلى هذا العقل النابه بغيبوبة استمرت ست سنوات كاملة نتيجة لمضاعفات أمراض داهمته فى سنوات آخر العمر، وقد تخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة 1946 ليعمل بالمحاماة والتى لا يلبث أن هجرها ليعمل بالصحافة فى صحف ناشئة مختلفة ليستقر به المقام فى مؤسسة روزاليوسف وقت تأسيس مجلة صباح الخير 1957 لتختاره السيدة روز اليوسف ليكون أول رئيس تحرير لها وبذلك أصبح أصغر رئيس تحرير فى مصر حيث لم يبلغ عمره آنذاك الثلاثين عاما ليتدرج بعدها فى وظائف صحفية فى المؤسسات الكبرى ليرأس تحرير إصداراتها الرئيسية بالإضافة إلى رئاسة مجلس إداراتها وحدث ذلك فى أخبار اليوم ودار الهلال والأهرام وقد جعل أحمد بهاء الدين من هذه الإصدارات منابر للرأى الحر المستنير الذى يستهدف مصلحة الوطن دون خوف أو وجل أو خشية الفقدان لمنصب أو أى مغنم آخر والأمثلة كثيرة تستعصى على الحصر فى هذا المجال إلى أن غادر القاهرة متوجها إلى الكويت بعد خلافه الشهير مع الرئيس الراحل أنور السادات ليعمل رئيسا لتحرير مجلة العربى الكويتية خلفا للراحل الدكتور أحمد زكى ولمدة ست سنوات شهدت خلالها المجلة تطويرا شاملا جعل منها إحدى كبريات المجلات الثقافية فى عالمنا العربى. وبعد مرور خمسة عشر عاما على رحيله لم ينقطع عطاؤه المعرفى والذى امتد فى جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين والتى أدارتها باقتدار منقطع النظير زوجته الوفية السيدة ديزى أحمد بهاء الدين بمشاركة ابنه الوحيد الدكتور زياد بهاء الدين رئيس هيئة الرقابة المالية وتركزت إنجازات هذه الجمعية فى محافظة أسيوط التى أنجبته وبالتحديد فى قرية الدوير مسقط رأسه لتصبح قبلة للمثقفين والأدباء الواعدين فى صعيد مصر. وفى السادس عشر من هذا الشهر تم تتويج هذه الإنجازات بافتتاح مركز أحمد بهاء الدين الثقافى فى قريته التى تبعد 71 كليومترا عن مدينة أسيوط وقد تجاوزت تكاليف إنشاء هذا المركز سبعة ملايين جنيه وكلها بالجهود الذاتية ومساهمات العارفين بقيمته الكبيرة وقامته العالية فى محراب الفكر والثقافة إلى جانب أسرته. وكان الافتتاح هو أشبه بالتظاهرة الثقافية والتى شملت مظاهرها كل أرجاء الوجه القبلى الذى كان محروما من مثل هذه الاحتفاليات الثقافية وقد شارك فى هذا الافتتاح رموز فكرية مصرية وعربية تقديرا لعطائه الصحفى والثقافى التنويرى المحترم ومنهم الدبلوماسى الشهير الأخضر الإبراهيمى وزير الخارجية الجزائرى الأسبق ورجل الأعمال الكويتى عبد المحسن القطان رئيس مؤسسة القطان ذات النشاط الثقافى فى العالم العربى والكاتب الصحفى محمد سلماوى رئيس اتحاد كتاب مصر مع باقة كبيرة من زملاء وتلاميذ الكاتب الراحل من كبار رجال الفكر والصحافة وأشرفت على مراسم الاحتفال السيدة ديزى بهاء الدين زوجة الكاتب الراحل والتى أوضحت لأجهزة الإعلام فى أول ظهور لها بأن هذا المركز جاء ثمرة لجهود أربع سنوات كاملة كنشاط لجمعية أحمد بهاء الدين والذى كانت نتيجته الملموسة فى إقامة إحدى عشرة مكتبة بمدارس قرى المحافظة وعشرة مسارح متنقلة وخمسة وثلاثين مركزا للتنمية البشرية فضلا عن دورات مكثفة لتعليم اللغات والحاسب الآلى بالإضافة إلى قاعات متخصصة للأنشطة الثقافية المختلفة والعروض السينمائية وقد بادرت الأسرة بعرض شقة الأستاذ أحمد بهاء الدين بوسط القاهرة للبيع ليكون عائد ثمنها مصدرا رئيسيا فى تمويل كل هذه الأنشطة ليتواصل عطاء أحمد بهاء الدين بعد رحيله مع عطائه فى حياته والذى يأتى فى مقدمته هذه الأجيال التى تكونت ثقافتها من إبداعات هذا الكاتب الصحفى والنموذج الأمثل لما يجب أن تكون عليه قادة الفكر الحر من حملة مشاعل التنوير فى مصر والوطن العربى فى مواجهة طيور الظلام ودعاة التخلف.