تتحول الإسكندرية في أشهر الصيف إلي ثلاث محافظات تقريبا.. يتضاعف عدد سكانها.. ويضغط علي مرافقها الملايين من المصطافين القادمين من مختلف بقاع مصر.. ويصير عليها أن تحتمل كل هذا.. وأن تخضع لاختبار مصري شامل لا تتعرض له أي محافظة أخري بنفس القدر.. فالمصري الذي اعتاد أن يزور القاهرة مرات عديدة طوال أيام السنة يتعامل معها باعتبارها «ترانزيت قضاء مصلحة».. والزائر لمحافظات أخري في إجازة مثلما هو الحال في جنوبسيناء والأقصر والبحر الأحمر لا يمارس نفس الضغط بنفس الأعداد، التي تتعرض لها الإسكندرية في موسم زمني بعينه. سنة تلو أخري يعبر عادل لبيب هذا الموسم الضاغط بأسلوب مختلف، ومتطور، خصوصًا أنه قد أضاف إلي بناء الإسكندرية العصري بصمات عديدة تحسب له، في سياق الانضباط والنظام وتلبية الاحتياجات المتزايدة عامًا تلو آخر، والأهم الحفاظ علي الإسكندرية «لؤلؤة المتوسط»، وهو ما يحدث في ظل مناخ عام تغير.. صار فيه المواطن الذي تنقطع عنه خدمة المياه لمدة ساعتين يذهب إلي مقر المحافظة ليتظاهر أو يتصل ببرنامج تليفزيوني لكي يشكو ويعترض.. وتلك ضغوط لم تكن معروفة من قبل في مصر كلها. أضف إلي هذا أن عادل لبيب لا يعمل في مناخٍ مواتٍ ومعاونٍ من الحكومة، ناهيك عن أن عددًا كبيرًا من مسئولي الدولة السكندريين يعتقد أنه لا بد أن يكون لهم دور في طريقة عمل المحافظة.. لأسباب انتمائية.. وليس لأسباب تتعلق بنطاق اختصاص كل منهم.. فأعمالهم مركزية ومواقعهم في العاصمة. إنجاز المحافظ في الإسكندرية جدير بالإشادة، لكن تلك الإشادة ليست هي المقصد اليوم.. وما أريد أن أصل إليه هو أن هناك خصائص بعينها لا بد من التوقف أمامها في مسار عمل عادل لبيب العام، منذ عين محافظًا لقنا، ثم للبحيرة، ومن بعدهما للإسكندرية، قنا تحولت في فترة عمله إلي محافظة أخري.. مختلفة تمامًا بما يناقض تاريخها كله، كانت منفي يعاقب الناس بالسفر إليها وطاردة يغادرها أهلها.. وأصبحت جاذبة ومريحة وتختلف عن الانطباعات العامة لمحافظات الصعيد.. ما أقر به المقيم والزائر.. والبحيرة سرعان ما انطلقت عمليا وفي فترة قصيرة إلي تأهيل متجدد علي مستوي البنية التحتية وعلي مستوي المظهر العام.. وقد أشرت إلي ما يجري في الإسكندرية ولا يمكن إخفاؤه فشهوده بالملايين. المسألة إذن تتعلق بالقدرات الشخصية والرؤية التي تحكم قائد العمل، وأسلوبه الذي يفرضه علي من حوله، باختصار هي مزيج عوامل من الإرادة والخبرة والقدرة والسعي إلي التميز.. يمكن به أن نتجاوز شكايات المنزعجين من تعقيدات البيروقراطية ونقص التمويل والظروف غير المعاونة وتخبطات الوزارات المتداخلة والجهات المتنوعة التي يكون لكل منها أصبع في أي ملف. بمعني آخر أن قليلاً من الحماس، وكثيرًا من الإخلاص، ومزيدًا من الذكاء السياسي، ونوعًا من الإبداع الإداري، إذا ما تسلح به أي قائد عمل ما في أي محافظة أو مصلحة أو هيئة أو وزارة، قادر علي أن يغير الصورة.. وأن يؤدي إلي تطوير نوعي ملموس.. مع كامل التقدير للمعاناة التي يواجهها كثير من المسئولين في قطاعات مختلفة تعرقلهم المصاعب وبيئة المجتمع الصعبة. مصر بلد شرس، حتي لو بدا هادئاً ووديعًا وأي موقع في مصر تعتمل فيه تعقيدات مختلفة لها أصول تاريخية وتراكمات عصرية، كافية لأن تعجز عشرات من المتصدين لها.. ولكن كل هذا يذوب أمام الإصرار.. وكل هذا يتراجع إذا ما رغب من يعمل في أن يضيف بصمة وأن يترك أثرًا وأن يدون اسمه في سجل الإنجاز. عادل لبيب نموذج مثير للإعجاب، وما يحققه في الإسكندرية رغم بعض المناخ الإعلامي غير المواتي يمثل طرازًا فريدًا للاقتداء به.. وقد وجبت تحيته في نهاية موسم سكندري ناجح.. علما بأن هذه الكلمات قد تفجر في وجهه عثرة ما.. ففي مصر أيضا قدر من المشاعر المناوئة للنجاح.. تلك التي نصطلح علي تسميتها ميتافيزيقياً بالحسد.. يكفي الكرة الأرضية.. وقد يفيض. الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى: [email protected]