كنت أتكلم الألمانية بطلاقة وكنت ضعيفاً جدا في الانجليزية ولذلك زاد ارتباطي بأستاذي الروماني توماس بارتا وتحولت الصداقة إلي قرب تبني حيث ان بارتا لم ينجب واصبحت بمثابة ابنه. علمني هذا اليهودي الروماني أشياء لا حد لها في التاريخ في الفلسفة في الفن، في الأدب وكذلك تاريخ العلم والهندسة، كنا نرتحل معاً ولا أقوم بأي شيء دون أن أستشيره ولكن في يوم من الأيام ولسبب تافه في مناقشة بخصوص اسرائيل غصب مني وقال انه ليس صهيونياً ولكنه يرفض تغيير الهوية اليهودية لاسرائيل. كنت حزيناً لأنني أحب الرجل وهو يحبني الي اقصي درجة ولكن لعنة الله علي الصراع العربي - الإسرائيلي - هذا الصراع أوقع الابن في أبيه ثم مات بارتا ونحن في قطيعة لأكثر من عشر سنوات. علمت بالخبر وأنا أحاضر فجهشت بالبكاء. مات استاذي الحبيب وهو لا يعرف مدي حزني علي القطيعة بيننا، لم يكن بارتا صهيونياً ولكنه كان ضحية لأكاذيب الصهاينة وصراع عبثي لا أساس له في الدين أو العرق وانما اساسه من وجهة نظري في الجشع الرأسمالي حيث يتاجر الناس بالناس ويطرد سكان الارض لتباع للغرباء بالمليارات. أوري أفنوري لم يعد الشاب الذي كتب كتابه في بداية الستينيات انه الآن رجل مسنٍ ولكنه مازال بطلاً من أبطال حركة السلام الآن في اسرائيل. لقد كان الرجل سابقاً لعصره في الستينيات وكانت افكاره راديكالية بالنسبة لكل من الاسرائيليين والعرب، كان يري شرق أوسط يسوده السلام ودولة اسرائيلية علمانية يسكنها اليهودي والمسيحي والمسلم علي قدم المساواة. يجب ألا ننسي ان المسلمين والمسيحيين هم السكان الاصليون الذين كانوا يكونون الاغلبية الساحقة ويتكلمون جميعا نفس اللغة العربية بينما اليهود اغلبهم من روسيا وبولندا وكثير من البلاد الأوروبية الاخري لا أريد ان ادخل في نقاش حول هذه النقطة ويكفي أن أنصح القارئ ان يشاهد فيلم «صلاح الدين الايوبي» للمخرج المصري الخالد يوسف شاهين، وكذلك الفيلم الاجنبي الاشهر عن هذه القضية الذي عرض في مصر من ثلاث سنين وهو «مملكة السماء» ولكن قبل أن أعود الي الموضوع الاساسي وهو امكانية وجود سياسي لدولة اسرائيلية بدون افكار صهيونية اود ان اسرد علاقتي بالأستاذين اليهوديين اللذين أثرا علي حياتي وثقافتي الي جانب الدكتور توماس بارتا كما لم يؤثر الكثير من الناس. أريد أن أتكلم أولا عن سار هرمان بوندي مستشار مارجريت تاتشر العلمي ورئيس تشرشل كولدج في كامبريدج بالاضافة الي كونه أحد مؤسسي نظرية الكون المستمر، وأخيرا الدكتور إليا براجو جان الحاصل علي جائزة نوبل في العلوم والذي شجعني علي التركيز علي نظريتي في توحيد القوي الأساسية في الطبيعة. ونكمل بعد غداً..