تحدثت في مقال أمس الأول عن علاقتي بأستاذي الراحل توماس بارتا في سياق الحديث عن إمكانية وجود دولة إسرائيلية بدون عنصرية أو صهيونية حسب تصورات وضعها في الستينيات من القرن الماضي الناشط والصحفي المفكر الإسرائيلي أوري أفنوري. اليوم أريد أن أوضح دور العالم الكبير الأستاذ سير هرمان بوندي في حياتي.. أول لقاء لي بسير هرمان كان في الستينيات من القرن الماضي عندما كان يعطي محاضرات عن علوم الكون أسبوعيا في التليفزيون الألماني. كنت طالباً في كلية الهندسة جامعة هنوفر ولكن قلبي وكياني كان يسكن العلوم الانسانية بالإضافة إلي الطبيعة النظرية. تعلمت من محاضرات سير هرمان أهم أسرار الكون خصوصا متناقضات ظلام السماء في الليل والتي تعرف علميا باسم مناقضة أولبس قال أولبس وهو عالم فلكي الماني من مدينة هامبورج أن الضوء الذي يصدر من جميع النجوم في الكون يكفي لأن يجعل سماء كوكب الأرض نهارا دائماً بدون أي ليل. أرسلت بعض الخطابات إلي سير هرمان الذي كان في قمة شبابه وعطائه في هذا الوقت مما جعله يتعجب أن مهندساً مدنياً بسيطاً يمكن أن يهتم بمثل هذه العلوم النظرية التي تبعد كثيرا عن تخصصه وكان ذلك بداية لصداقة بين محب للعلم وعالم كبير له شأنه. سير هرمان هو في الأصل يهودي نمساوي وهاجر من النمسا في عهد معاداة السامية إلي انجلترا إلي أن وصل إلي كامبردج وهي الجامعة الأولي في بريطانيا. كان سير هرمان كما قلت يهوديا ولكنه كان يري في جميع الأديان بما في ذلك اليهودية شرا في صورة خير وهو تماما عكس فهمي للأشياء إلي يومنا هذا. كتب سير هرمان كتاباً اسمه حقائق كاذبة وهو عنوان يدل علي العقلية الجدلية الهيجلية لتفكير سير هرمان في هذا الكتاب قال سير هرمان إن الدين الذي يعرف علي أنه مصدر للخير هو في الحقيقة مصدر للشر. مرت الأيام وتدرج سير هرمان إلي كونه رئيس تشرشل كولدج في كامبردج وأنا لأكون مدير مشاريع في المملكة العربية السعودية وكان من ضمن مهامي رعاية مشروع قمر صناعي.. كذلك أسند لي مهام انشاء جامعة حديثة.. ونكمل غدا.