عنوان هذا المقال مأخوذ من عنوان كتاب من أهم الكتب التي صدرت في بداية الستينيات من القرن الماضي عن الصراع العربي الاسرائيلي أتذكر اني كنت امشي في احد الشوارع الرئيسية لمدينة هنوفر في ألمانياالغربية أظن عام 1963 عندما كنت طالباً في كلية الهندسة ولكن عقلي وقلبي وكياني كله يدرس طبيعة نظرية ووحدة عربية عن طريق القراءات الحرة لأي كتاب يقع في يدي في هذه المواضيع. لاحظت كتاباً يبدو جديدا في فاترينة أحد محلات بيع الكتب امام دار الاوبرا الالمانية لفت نظري فورا عنوان الكتاب وكان «اسرائيل بدون صهيونية» للكاتب الشاب في هذا الوقت أوري أفنوري. كانت آراء أفنوري جريئة وجديدة حتي بالنسبة لي كان الرجل معجباً بالعرب وبالفلسطينيين ويريد الحياة معهم في دولة غير عنصرية وغير صهيونية وتصور كل ذلك في الستينيات. وكأن هذا لا يكفي فقد قال الرجل انه معجب بالرئيس المصري جمال عبدالناصر ويري ان اسرائيل هي التي بدأت بالتآمر علي مصر وعبدالناصر وليس العكس. ناقشت الكتاب مع أصدقائي وخصوصا الدكتور عادل عبدالسلام حسين الذي كان يدرس الدكتوراه في ألمانيا في هذا الوقت وهو الآن أستاذ متقاعد في جامعة الأزهر كلية الهندسة وكذلك الدكتور جلال عبدالحميد عبدالله وهو الآن مستشار وزير البحث العلمي والتعليم العالي الدكتور هاني هلال كنا جميعا طلبة يملؤهم الحماس والوطنية وبدون أي شك كنا جميعا ناصريين بدون تحفظ. مرت السنون وتخرجت في جامعة هنوفر كمهندس مدني انشائي وعملت لفترة في شركات المانية عديدة لبناء الشوارع والجسور والانفاق ثم قررت بناء علي نصيحة استاذي الالماني وكذلك والدي اللواء صلاح الدين النشائي ان أذهب إلي انجلترا لدراسة الميكانيكا التطبيقية في جامعة لندن حيث كان الوضع في الشرق الاوسط يتغير الي الأسوأ علي الاقل بالنسبة لمصر والعرب ولكني أذكر ندوة لنقاش الصراع العربي الإسرائيلي حضرها طلاب اسرائيليون وطلاب عرب. لم يذكر احد كتاب أوري أفنوري فرفعت يدي وقلت للجميع وماذا عن الأفكار التي أعرب عنها أوري افنوري في كتابه الشهير «اسرائيل بدون صهيونية». لم أجد أحدا من طلبة الدكتوراه العرب في انجلترا يعلم عن الكتاب شيئاً ولكن كان هناك طالبة دكتوراه اسرائيلية تدعي انها تحب السلام وتريد صلحاً مع العرب تعرف أوري افنوري تمام المعرفة ولكنها قالت فورا نعم أعرف الكتاب ولكن هذا الرجل يطلب من اسرائيل الكثير ويذهب أبعد مما استطيع أن أوافق عليه من تنازلات. مرت السنون وأصبحت استاذاً للهندسة ثم للطبيعة النظرية وتعرفت علي أساتذتي الذين لعبوا دورا مهما جداً في حياتي وكلهم من عظماء العلم وعلي الاقل حسب شهادة الميلاد يعتنقون الديانة اليهودية. أعز وأقرب هؤلاء الأساتذة الي قلبي والرجل الذي كنت مرتبطاً به لدرجة أنه لا يمر أسبوع دون أن نتقابل لمدة عشرين عام كان الأستاذ الدكتور المغفور له توماس بارتا. كان بارتا رومانيا يهوديا ولكن لغته الأساسية هي الألمانية كأغلب يهود اوروبا. بارتا كان ملحداً ولكن يحترم الأديان بما في ذلك الاسلام تزوج بارتا في سن متأخرة بعد أن هاجر الي انجلترا واصبح استاذاً في نيفرستي كولج في جامعة لندن عندما تعرفت عليه. ونكمل غداً..