وفقني الله في أن تتاح لي الفرصة للتعلم علي يد معلم دبلوماسي جليل وشخصية إنسانية بالغة الرقي وهو السيد السفير مخلص قطب مدير مكتب سعادة الوزير أحمد ماهر وزير الخارجية الأسبق والأمين العام السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان وهو أحد الأشخاص القليلين ممن قد تصادفهم في حياتك تغمره البساطة في التعامل والكياسة والفطنة في فهم الآخر وتقديره أيا كان قدره أو منصبه بدءًا من عامل الأسانسير مرورًا بمرؤوسيه نهاية بأصدقائه وزملائه في العمل فالسيد السفير لديه القدرة علي التعامل برحابة مع جميع المحيطين به وكأنهم عائلته وهو ما كان يشعر به الجميع في أي مكان يتواجد فيه بالارتياح الشديد والرغبة في العطاء وعلي قدر تواضع وبساطة هذا الرجل الفذ فهو شخصية جادة للغاية ولها مواقف ثابتة تنم عن القدرة علي اتخاذ القرارات المناسبة والحاسمة دون تردد وعندما أردت أن أكتب في هذا الموضوع بالتحديد عن (الخوف) لجأت إليه وصارحته معربا عن رغبتي في الاستفادة من خبرته وأصررت أن أفهم وأفسر وأدرك وأحلل وأنقد وأكتب وأعبر وأطلق العنان إلي أفكاري فأضف إلي نظرتي بعدا ثالثا لن يستطيع أن يجسده لي إلا السفير مخلص قطب فعندما تقتنع فأنت تسكن وتستقر وأعلم أن حاجتي إلي الاستقرار علي قناعة ملحة وأيقن أنه قادر علي إشباع تلك الحاجة ولهذا طرحت عليه هذا السؤال الشائك. سيدي، لماذا الخوف من الدين؟ علي الرغم من أنه المصدر الأكثر طمأنينة وسكينة للنفس البشرية لماذا كل هذا الهلع من التطرق إلي أحكامه والخوض في تفاصيله وفهم نصوصه؟ ولماذا كل هذا الذعر من تناوله وتحليله وفهم أبعاده والحذر الشديد في إعمال رخصه والاستفادة من رحابته والاختلاف حوله وتجديده؟ لماذا أصبح حصن الإنسان الحصين هو منفاه؟ لماذا يلجأ الإنسان إلي الدين بوصفه المنجد والمخلص وفي ذات الوقت يخشي الاقتراب والتعمق فيه وكأنه معذب وجلاد مستبد يعاقب بلا خطيئة أو ذنب ويعصف بكل من يحاول أن تطأ قدمه علي أرضه دون أن يقدم فروض الولاء التي لا تقبل التقيد بقناعة ولا ترضي بفهم وقبول للظواهر من حولها فإذا ما استغل الإنسان حقوقه أو أعمل عقله في السؤال والتفكر يخرج عليه حملة رماح الإيثار والتفرد بالرأي والعلم افتراضا واستنادا مزعوما إلي مكانة أو ادعاء في معرفة ودراية ليعلنوا أنه لا جدال ولا نقاش ولا تفكر ولا تدبر ولا ناقة ولا جمل للإنسان العادي في فهم أحكام الدين وأن التفسير والتأويل والتحليل هو فهم الخاصة ولا يجوز أن ينتقل إلي عموم الناس فلماذا يا سيدي هذا القصر والتخصيص في علاقة ما بين الفرد وربه ينتفي فيها أي استثناء أو تمييز! نظر إلي السفير لحظات أدركت من خلالها أنه يريد أن أبحث في ذهني عن الأسباب قبل أن يبدأ في دعوتها، فلحسن حظي أنه علي قناعة تامة بضرورة إعمال الإنسان لعقله مهما كانت قدرته أو سماته وأنه لا استفادة من ركود الذهن أو ثبات التفكير ولكنه عندما شعر بأن سؤالي ملح وأن الأمور بدت لدي مشوشة بشكل ليس محدودًا بدأ في الحديث وأفرد سيادته علي مسامعي الآتي: أنت تريد أن تعلم لماذا يخاف الأفراد من الدين لدرجة الهلع ويعجزون عن التعامل معه علي طبيعته في كونه المرشد والملهم وليس الجلاد والمعذب سأجاوب علي تساؤلك، عليك أن تعي أن الخوف يولد العجز عن الإدراك ويقهر الرغبة داخل الإنسان في التقدم ويهزم تطلعه إلي المستقبل ويغيب عقله ويغرق وعيه في بحور من الظلام الدامس ويقتل منطقه الخوف يعني أنك تقبل ولا تستطيع أن ترفض أن تستسلم ولا تقاوم تحتاج ولا تعبر عن احتياجك فتصبح كمن أغمضوا عينيه وسدوا أذنيه وأغلقوا فمه حتي يصبح دمية تتقاذفها الأيدي لا إرادة لها في مصير ولا دخل لها في قرار ولا قدرة لديها علي ثبات أو استقرار ولذلك أصبح الخوف والترهيب هو سلاح من يدعي العلم بالدين لدغدغة مشاعر الناس واللعب علي الأوتار الحساسة لديها للوصول إلي أهداف خاصة تمكن من اختراق نفوس وهبها الله ما لم يميز به أحدًا منها دون الآخر وهو العقل، تلك السمة المشتركة الملهمة الخلاقة غير المحدودة القدرات فأنصحك بأن تحرص جيدًا علي أن تدافع عن عقلك هبة الله لك وأن تحرص علي قدرتك علي الاستنباط ولا تجعل أحدًا يخبي فيك نور التفكير والتأمل فيما حولك ومن حولك ولا تدع أحدًا يعزل بينك وبين ربك واعتمد علي تقواك وعلي مغفرة من مولاك فالعلاقة بينك وبين المولي عز وجل متصلة بلا انقطاع ممتدة بلا نهاية أنت منشأها والقادر علي إكسابها القوة أو الضعف فلا خشية للإنسان إلا خشية ربه التي تولدها داخله قناعاته الذاتية الراسخة غير المدفوعة بنزعات فردية تتحكم فيها الأهواء... صمت لحظات ونظر إلي مباشرة وردد.. فهمت..؟ نظرت إليه وقد اشتعل تفكيري من كلماته مرددًا... أعتقد سيدي أن الأمر اتضح... انتهي الحوار بيني وبين السيد السفير ولكن تولدت لدي قناعة أن الخوف هذا المرض اللعين الذي يطارد العديد والذي ينتابني في أحيان عديدة لا يحتاج إلي فرد ليواجهه بل إلي قناعة مجتمعية تمتد جذورها إلي أحكام عقائدها السامية وإلي علمائها ومفكريها ليرسخوا نضالا حتميا ضده يشارك فيه الجميع رحمة بالعقول وسعيا إلي تقدم مجتمعي مأمول.