كانت المعاملات التجارية بين البشر هي تبادل سلعي، ومقايضة شيء أمام شيء، وباتساع الحياة الاقتصادية وتنوع الأنشطة وكذلك تنوع الطلبات وإتساع رقعتها وعددها، أصبحت المنفعة هي التي يتم تبادلها «بمنفعة أمام منفعة» أخري، وبالتالي كان هناك احتياج لصك مقبول التعامل عليه لتبادل المنافع !!. هذه المقدمة في المدرسة الاقتصادية (كي جي وان) نحن في أشد الاحتياج للتذكير بها اليوم في مقالي حيث أتعرض اليوم لعدم جدوي أي من تلك الأساليب الثلاثة السابق ذكرها وعنوان هذا المقال ينطبق علي حال شعبنا المصري العجيب،فنحن أقل الشعوب إنتاجية،وكذلك نحن أقل الشعوب في تدني الأجور، حيث نحصل علي أجور لا يمكن مقارنتها بمثيلها من أجر أي عمل مثيل، وكذلك نحن نبذل جهداً في عمل وننتج سلعة أو خدمة أقل بكثير مما يبذل في سلعة مشابهة أو فيما يبذل من جهد مماثل لإنتاج خدمة مماثلة في مكان آخر من العالم!. وبالتالي نحن نحصل علي «لا أجر مقابل لا عمل»، هذا هو التحليل الصحيح لموقف نحن نعيشه في شتي أنشطة حياتنا، فأستاذ الجامعة بعد وصوله إلي درجة الأستاذ وبعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً في السلك الجامعي معيداً، فمدرساً، فأستاذاً مساعداً فأستاذاًَ خلال تلك الفترات الزمنية هو ملزم بالحصول علي درجة الماجستير، ثم درجة الدكتوراة ثم إنتاج علمي علي مدي عشر سنوات لا تقل بحوثه طبقاً لقواعد الترقية عن 14 بحثاً علمياً منشوراً، وإنتاجاً تطبيقياً في مجال التخصص، وكذلك واجبات أكاديمية في معهده أو كليته أو موقع عمله البحثي إن كان مشاركاً في نشاط التدريس والتدريب ومراقبة ووضع وتصحيح الامتحانات، والأنشطة الطلابية والريادة العلمية والمكتبات في الجامعة، ويخضع أخيراً لشروط الجودة التي يجب أن يلتزم بها عضو هيئة التدريس في السلك الجامعي !! ومحصلة تلك الجهود وهذه السنوات الطويلة من العمر المهني والعلمي يجد الأستاذ في أول كل شهر صافي مرتب ومكافأة وحوافز وكل مايمكن أن (نهذب اسمه) من إضافات (مكسوفة) لا يتعدي مبلغ ثلاثة آلاف جنيه مصري أي نحو (خمسمائة دولار) أو أربعمائة يورو ) ومطلوب من ذلك العضو المحترم، الأستاذ الجامعي أن يرقي إلي مستوي مجتمعه من زملائه، وطلابه وخاصة طلابه الذين يحاضرهم وأن يحترم لقبه ووضعه العلمي وذلك يتأتي بأهمية متابعته لكل جديد في علم التخصص عن طريق دوريات علمية أو الاشتراك في مؤتمرات أو معارض دولية، هذا بالإضافة إلي ملابسه يجب أن تكون معقولة حتي ولو كانت صناعة محلية ألا يجب أن تكون علي الأقل غير مستخدمة لأكثر من يومين في الأسبوع الواحد أي أنه محتاج ( ثمانية أطقم من ملابسه في الشهر للاستخدام غير المتكرر ) هذا بالإضافة إلي مصروفات بنزين سيارته ( إن وجدت ) أو قيمة مواصلة التاكسي من منزله أو مكان قريب منه إلي مقر الجامعة، والمصيبة أن يكون الأستاذ الجامعي بعد رحلته العلمية الشاقة قد أدمن التدخين، هنا، إضافة أخري للمصروفات، ناهيك عن المنزل والأسرة والإيجار والأولاد وتعليمهم شيء من «الخيال العلمي» أن يجد إنسان معادلة رياضية بين المطلوب صرفه ( في أضيق الحدود ) وبين المتحصل من الجامعة، وبعد كل هذا السرد، لايوجد أي دليل علي أن عنوان المقالة يصلح في مثل هذه الحالة «لعل السمسرة» تنقض العنوان لا منفعة ولا مقايضة ولا وساطة ولا حيلة في الحياة سوي البكاء علي اللبن المسكوب.