تصاعدت خلال السنوات الأخيرة بشكل فادح ظاهرة الغش التجاري, وبقدر ما تشكله هذه الظاهرة من اعتداء صارخ علي أبسط حقوق المستهلك, وعلي أمنه وسلامته. فإنها تشكل أيضا اعتداء بشعا علي الصناعة المصرية, وسمعتها, وقدرتها التنافسية في السوق الوطنية, وفي الأسواق الخارجية عبر دول العالم المختلفة, ويتطلب كل ذلك وقفة جادة من جميع أجهزة الدولة المختصة والمسئولة حتي لا يصبح الغش علامة مميزة لتعاملات السوق الداخلية, وتجرف السلع المغشوشة الرديئة المخالفة للمواصفات والمقاييس والضارة بصحة الإنسان, وبيئة الحياة بأسعارها المنخفضة, في طريقها كل السلع الجيدة, وبالتالي كل الصناعات الجيدة, وفي ظل هذه الاوضاع تتحول السوق إلي غابة تتحكم في أعمالها ومعاملاتها سطوة الانحراف والبلطجة, وتغيب القواعد والنظم, ويصل الأمر والحال إلي سيادة سيطرة مافيا الغش التجاري ودخولها لمرحلة متطورة بفرض الاتاوات وتفعيل الابتزاز المنظم علي الصناعة التجارية الوطنية بحكم ان تقليد علاماتها الصناعية ووضعها علي منتجات رديئة مغشوشة في غياب شبه كامل للحماية القانونية والمؤسسية, يتحول معها الصانع الجاد إلي ضحية للإجراءات البيروقراطية العقيمة, باهظة التكلفة, وبالغة السوء في النتائج لكل من تسول له نفسه أن يدافع عن سمعة صناعته, أو يتصدي لمحترفي الابتزاز المتسلحين بثغرات التشريعات والقوانين واللوائح, بالإضافة إلي فنون التلاعب والتزوير, وقائمة الضغوط التي لا تنتهي, مما تتسبب في شيوع الفوضي والاضطراب في القرارات والأحكام المنظمة للسوق ومعاملاته حتي تتيبس مفاصل الاقتصاد, وترفع منشآته الجادة الراية البيضاء وتعلن الاستسلام والعجز. ومع صدور تقديرات مفزعة في الفترة الماضية تتحدث عن سلع مغشوشة ورديئة الصنع, ومخالفة للمواصفات بعشرات المليارات من الجنيهات, ومع وصول الغش إلي سلع حيوية وأساسية يتسبب غشها في تفشي الأمراض الخطيرة والمروعة, في مقدمتها المستحضرات الطبية التي يتم الحديث عن ضخامة نشاط مافيا الغش إلي ما يزيد علي10% من تجارتها, البالغ قيمتها سنويا نحو12 مليار جنيه, وما يشكله ذلك من اعتداء صارخ علي أبسط حقوق المواطن, فان هناك جرس انذار مدو لابد وان يتنبه له الكافة خاصة مع اتساع ظاهرة الغش في المستحضرات الطبية البيطرية, والمبيدات الزراعية, وما يقال عن الهرمونات البيطرية والزراعية وما تسببه من أمراض فتاكة للبشر.. كل ذلك وغيره كثير كان يستوجب أن تتحول قضية الغش التجاري إلي مقدمة الأولويات, ليس فقط للأجهزة المختصة والمسئولة, لكن إلي مجلس الوزراء بكامل أعضائه حتي تحشد جميع القوي وتوظف جميع الإمكانات في ظل منظومة متكاملة لحماية حقوق المصري كإنسان وكمستهلك وكمواطن, وكان من المنتظر أن تتم مواجهة الظاهرة بمخاطرها ومفاسدها بخطة طوارئ وخطة لمواجهة الكوارث والأزمات تتعدي كثيرا خطط الطوارئ التي نفذتها الحكومة لمواجهة ما قيل حول مايسمي إنفلونزا الطيور, وإنفلونزا الخنازير التي تنزوي خجلا في مخاطرها ومفاسدها أمام ما تشكله ظاهرة السلع المغشوشة والرديئة من ضربات قاصمة للاقتصاد وجميع أفراد المجتمع, وتتعدي علي أبسط الحقوق في حتمية الحفاظ علي صحتهم وأمنهم وسلامتهم, مع ضمان الحماية الجادة للصناعة الوطنية باعتبارها الحصن الحصين للدولة والمجتمع لتوفير السلع الجيدة المطابقة للمواصفات في ظل الرقابة العامة الدائمة والمستمرة للإنتاج المعلوم المصدر, والتجارة الخاضعة للضبط والسيطرة. وقد تلقيت تقريرا شاملا من الدكتور أحمد برهان الدين إسماعيل رئيس جمعية منتجي الأدوية المصرية ورئيس الشركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية إيبيكو يرصد ظاهرة الغش في سوق الدواء المحلية, ومخاظرها المتفاقمة علي سمعة الشركات الوطنية وتأثيراته السلبية علي قدرتها علي النفاذ إلي الأسواق الخارجية, كما يرصد التقرير ظواهر مزعجة تصاعدت في السنوات الأخيرة ترتبط بالابتزاز المنظم من قبل مافيا محترفة تتضمن غش أدوية الشركات, وإضافة الحشرات والملوثات إليها للضغط علي الشركات بهذه العبوات الدوائية المزورة والمزيفة للحصول علي اتاوات مالية ارتفعت قيمتها في السنوات الأخيرة بشكل واضح في ظل تحول الابتزاز الي لون من الوان الجريمة المنظمة والخبرات السلبية للشركات مع الحالات التي رفضت فيها الخضوع للابتزاز ودخولها في دوامات إعلامية وقانونية لا حصر لها بحكم الثغرات الكبيرة في قانون الغش التجاري التي لا تتيح لجهات التحقيق المختصة أن يكون الرأي العلمي الفني لأجهزة الدولة المختصة هو الفيصل والحكم في تحديد طبيعة حالة الغش والمسئولية عنها كمحدد رئيسي لمسار التحقيقات, وفي حال الدواء فإن وزارة الصحة ومعاملها المتخصصة لابد أن تكون المعيار والفيصل, وبالنسبة لباقي الصناعات فان هناك اجهزة رقابة مختصة هي صاحبة المسئولية خاصة أن عملية إنتاج الدواء بدءا من تسجيل الدواء, ومراقبة خطوط الإنتاج, وخطوات التصنيع لضمان الالتزام بمعايير الجودة الشاملة, تخضع لتفتيش ورقابة أجهزة الوزارة, وفقا للقانون بالإضافة إلي خضوع المادة الخام المستخدمة في صناعة الدواء للمراجعةوالتدقيق مع خضوع الكميات المنتجة للرقابة والفحص قبل السماح بتداولها في الأسواق أولا بأول, وكل ذلك في ظل نظام التفتيش الدوري المنظم علي المصانع وخطوط الإنتاج وتدوين مستمر للملاحظات اللازمة للارتقاء بمستوي وجودة الإنتاج, وهي ملاحظات تتطرق لأدق التفاصيل الفنية للعملية الإنتاجية بحكم أن صناعة الدواء غير مسموح فيها بالخطأ ومسموح فيها فقط بالمنتج النهائي الجيد القابل للاستخدام, ووجود أي درجة من درجات عدم الجودة مهما كانت بسيطة تعني بالضرورة عدم طرح المنتج للتداول وإعدامه بصورة فورية لأن الدواء سلعة لا تحتمل الخطأ في الإنتاج, وفي التوزيع, وفي حلقات التداول المختلفة. ويوضح التقرير مجموعة من الحقائق المهمة المرتبطة بغش الدواء في السوق المصرية, كما يحدد الإجراءات اللازمة والعملية لمواجهتها ومحاصرتها حتي لا تصبح ظاهرة عامة, في مقدمتها ما يلي: (1) إن ما كشفت عنه أجهزة الأمن المختصة من حالات لغش الدواء في مصانع بير السلم كان كبير الحجم, وأن ما تم ضبطه من أدوية مغشوشة يشكل خطرا شديدا علي صحة المواطنين, بالإضافة إلي أن عمليات الغش التجاري تمثل حلقات مترابطة لا ترتبط فقط بغش المستحضر الدوائي, بل ترتبط بغش مستلزمات التعبئة والتغليف التي تتضمن الاسم التجاري, والشركة المنتجة, وجميع المعلومات والبيانات الواردة في العبوات الأصلية بدرجة عالية من الإتقان, وبالرغم من جهود أجهزة الأمن فإن حجم سوق الدواء المغشوش وقيمته يثبت أن ما يتم ضبطه لا يشكل إلا جزءا يسيرا من الدواء المغشوش في السوق, مما يستوجب جهدا مكثفا وتوفير الموارد والإمكانات اللازمة حتي تستطيع الأجهزة الأمنية المتخصصة أن تنفذ برنامجا طويل الأجل علي امتداد المحافظات للقضاء علي منابع ومصادر غش الدواء في مصانع بير السلم المختفية أصلا عن الأعين. (2) ان الغش التجاري للدواء لا يقتصر فقط علي مصانع بير السلم, بل يمتد أيضا إلي تجميع العبوات الدوائية المستخدمة, خاصة في مراكز الاستهلاك الكبري مثل المستشفيات, ومراكز العلاج والخدمات الطبية, وإعادة تعبئتها بمواد مغشوشة مما يستدعي وضع نظم للرقابة علي الأدوية المستخدمة في هذه الجهات ووضع نظام دقيق لإعدام المخلفات حتي لا تصل إلي أيدي مافيا غش الدواء, وهو ما يجب أن يكون جزءا مهما من نظام إعادة تدوير المخلفات الطبية في المستشفيات, ومراكز العلاج والخدمات الطبية, وخضوعه للرقابة الصارمة من المسئولين عنها ومن الجهات المختصة بوزارتي الصحة. (3) أن هناك مشكلة كبيرة ترتبط بحلقات التوزيع, سواء علي مستوي مخازن التوزيع, خاصة مخازن ومراكز التوزيع غير التابعة للشركات وهي التي تتولي توزيع جزء رئيسي من الأدوية المنتجة محليا والمستوردة علي الصيدليات, باعتبارها حلقة مهمة لضبط تجارة الدواء مما يحتم الضبط الشديد لحلقات التوزيع حماية للمستهلك, وحماية للشركات المنتجة وللمستوردين, حيث توجد مراكز توزيع غير مرخصة, وهي ترتكز في أعمالها أساسا علي الأدوية المغشوشة وحتي تكتمل حلقات الغش فإن هذه الأدوية يجب أن يتم تصريفها للجمهور عن طريق الصيدليات التي يقع البعض منها تحت إغراء الربح السريع والمرتفع, وتحصل علي هذه الأدوية بأسعار زهيدة وتبيعها للجمهور بأسعارها الطبيعية المقررة, ويشكل ذلك جريمة يعاقب عليها القانون, وتستلزم الرقابة الجادة علي أعمال الصيدليات, والتفتيش الدوري للمراجعة مع مطابقة المتوافر من الأدوية بكل صيدلية مع الفواتير الرسمية وما تتضمنه من تفصيلات تكشف الدواء الأصلي عن الدواء المغشوش, وإلزام الصيدليات بشكل حازم بالتعامل فقط مع شركات التوزيع المعتمدة ومن خلال الفواتير, باعتبار أن غير ذلك يعد مخالفة للقوانين يتعرض من يرتكبها للعقاب القانوني. (4) لابد من التفعيل الجاد من قبل جميع الشركات المنتجة للدواء لتجميع واستعادة وإعدام الأدوية المنتهية الصلاحية من الصيدليات وفقا لنظم سهلة وميسرة لكل ما تحوزه الصيدلية من أدوية ثابتة بفواتير رسمية, حتي لا يتحول الأمر إلي باب خلفي للنصب والاحتيال علي الشركات المنتجة, بالإضافة إلي إحكام رقابة أجهزة وزارة الصحة المختصة علي استعادة الأدوية منتهية الصلاحية في التوقيتات المحددة فنيا وعلميا, وضمان إعدامها والتخلص النهائي منها للقضاء علي أي صورة من صور التلاعب حماية للجمهور, وأن يطبق النظام نفسه بكل دقة علي الأدوية المستوردة, وإلزام مستوردين من خلال شركات التوزيع المتعاملين بها بإتمام عمليات التجميع. ويثير الدكتور أحمد برهان الدين إسماعيل في تقريره نقطة مهمة ترتبط بضرورة الحفاظ علي سمعة شركات الدواء المصرية, وحمايتها من جميع التجاوزات والادعاءات الظالمة, وضرورة تكاتف مختلف أجهزة الدولة المسئولة لردع عمليات التشويه العمد, ومواجهة ملفات الابتزاز التي تصاعدت وتيرتها في الفترة الماضية, وإجراء تعديلات تشريعية جذرية وعاجلة في قوانين الغش التجاري لتمكين أجهزة الدولة المختصة وفي مقدمتها أجهزة وزارة الصحة للقيام بواجباتها بكل حزم وفعالية, ويؤكد أن القوانين بصورتها الحالية تفيد التحقيقات, ويمكن أن تتسبب في صدور أحكام قضائية تضر بسمعة الشركات المصرية المصنعة للدواء, أو علي الأقل تدفعها للدخول في متاهات قانونية, وإجراءات قضائية تستنزف الكثير من الجهد والوقت والمال لإثبات براءتها, وعدم مسئوليتها عن عمليات الغش التجاري التي يتم الادعاء بها عليها, ويتم استخدامها إعلاميا في بعض الأحيان دون تدقيق وفي غياب كامل للجهد اللازم لاستكمال المعرفة بالموضوع من قبل جميع الأطراف من باب استكمال الفهم والمعرفة بالموضوع, خاصة أن محترفي الابتزاز يلجأون إلي الإبلاغ عن وقائع غير حقيقية, والادعاء في محاضر شرطة بتفصيلات مخالفة للواقع, ويتحدثون عما يسمونه وقائع إدانة, وهي لا تعني إلا مجرد أقوال مرسلة, ثم يستخدمون هذه الأساليب للضغط علي شركات الدواء وابتزازها للحصول علي مبالغ مالية ضخمة يحتاج إثبات تزويرها وكذبها ومخالفتها للحقيقة فترة زمنية طويلة تتعرض الشركة وسمعتها خلالها لأسوأ صور وأشكال الضغوط والتلاعب الإعلامي من أطراف متعددة, مما يتيح لمحترفي الابتزاز فرصة لتحقيق أغراضهم, ويسهم في صناعة مناخ عام يسهل من خلاله الخضوع للابتزاز بالرغم من أن هناك العديد من الحالات التي شاركت أجهزة الأمن المختصة في ضبطها متلبسة بابتزاز المسئولين بشركات دواء بالادعاء الكاذب أن منتجا للشركة توجد به حشرات أو غيرها من الأشياء الغريبة, أو أن لونه يغاير اللون الطبيعي المفروض للدواء المحدد, وتم تقديم المبتزين لجهات التحقيق وإحالتهم للقضاء وصدور أحكام قضائية عليهم بالابتزاز والغش المتعمد لتحقيق ربح ومنفعة خاصة تضر بالغير والآخرين, وتشوه سمعة الصناعة المصرية. ويشير رئيس جمعية منتجي الدواء في تقريره إلي أن الحالات التي يمكن ضبطها متلبسة بالابتزاز وطلب مبالغ مالية تعد حالات قليلة, لأن عملية الضبط تحتاج إلي جهد وترتيبات وإثباتات يملك محترفو الابتزاز القدرة علي تجاوزها ومعرفتها وتجنب ضبطهم متلبسين, مما يحتم أن تكون هناك جهات فنية ذات ثقة ومصداقية تتبع الوزارات المختصة, وهي في حالة الدواء وزارة الصحة يكون لها الرأي الحاسم من جانب جهات التحقيق لتحديد المسئولية عن الغش التجاري بشكل عاجل وسريع حتي لا تبقي سمعة الصناعة الدوائية المصرية في مهب الريح معلقة بغير حسم, مما يتيح الفرصة لاتساع نطاق الاتهام وتحوله من اتهام لعبوة واحدة من منتج دوائي واحد لشركة واحدة, إلي اتهام مسلط علي كل صناعة الدواء المصرية, مما يتيح الفرصة للتشكيك في الصناعة, وفي جودة الدواء المصري وفعاليته, ويقلل من ثقة الجمهور بالدواء الوطني, ويفتح الأبواب أمام منافسة غير عادلة مع الدواء المستورد, بالرغم من سعره الأعلي الذي يصل إلي أضعاف أضعاف الثمن في الكثير من الحالات. كما تتسبب الجريمة المنظمة للابتزاز المحترف إلي تشويه سمعة الصناعة في الأسواق التصديرية, ويرسم لها صورة ظالمة قائمة علي الادعاء والتلفيق تخدم في النهاية أصحاب المصلحة في القضاء علي الصناعة الوطنية بجميع صورها وأشكالها, ويسهم ذلك في تعزيز سطوة ونفوذ شركات الدواء العالمية الكبري التي تسعي بكل الجهد لاستعادة سيطرتها الكاملة علي أسواق الدول النامية من خلال القضاء علي صناعة الدواء الوطنية, وتحجيم دورها وتراجع قدرتها علي تحقيق الاكتفاء الذاتي من احتياجات استهلاك الدواء في وقت تتصاعد فيه بمعدلات سريعة ومرتفعة تكلفة العلاج, وتقل قدرة قاعدة عريضة من المواطنين علي تحمل هذه التكلفة, وتدبير اللازم لها, مما يحتم ترسيخ سمعة صناعة الدواء ومساندتها بمنظومة متكاملة التشريعات والسياسات والإجراءات تتضمن حمايتها, وتضمن في الوقت نفسه تأكيد ثقة المواطن واقتناعه بممارسة الأجهزة الرسمية علي نطاق واسع ومتصل, وبشفافية عالية لدورها الرقابي الصارم علي هذه الصناعة. *** لا يعني اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية, وشيوع النشاط الخاص في الأنشطة والمعاملات أن الدولة في إجازة, وأن أجهزة الدولة قد وضعت في الحبس الاختياري, لكنه يعني في الدول الصناعية المتقدمة أن مسئولية الحكومات وأجهزتها المختلفة عن الأسواق قد زادت أهميتها, وزادت خطورتها, وأن الرقابة الجادة والدائمة علي جميع الأعمال والأنشطة تصبح المسئولية الرئيسية والحيوية لضمان أن يتم كل شيء في الدولة والمجتمع وفقا لضوابط التشريعات والقوانين وقواعدها, وأن المخالفين لابد أن ينالوا العقاب اللازم والرادع حتي لا تتحول السوق إلي فوضي, وتخضع المعاملات لشريعة الغاب يتحكم فيها الأقوي والأكثر سلطانا ونفوذا, أو يسيطر عليها الأكثر قدرة علي النصب والخداع والاحتيال. وفي دول العالم المتقدمة والساعية للتقدم فإن الالتزام بحقوق ومصالح المستهلك لابد أن يحتل الأولوية الأولي في قائمة معايير السوق لضمان انضباطها وضمان صلاحها وسلامتها, وهو ما يستوجب دائما القضاء علي الاحتكارات بمختلف صورها وأشكالها, والالتزام القانوني بتفكيك أوصالها وردعها وصولا إلي حالة المنافسة الكاملة, أو بالأصح وصولا إلي أوسع نطاق ممكن سللمنافسة, وأضيق نطاق للاحتكار, ومع بروز ظاهرة الغش التجاري يبدو وكأن احتكارات السلع الرديئة, واحتكارات السلع المخالفة تماما للمواصفات والمقاييس, قد بسطت نفوذها علي السوق المصرية في غياب شبه كامل لأجهزة التجارة الداخلية, ولأجهزة الرقابة علي الصادرات والواردات, ولأجهزة الرقابة الصناعية والجودة وغيرها من الأجهز الحيوية والمهمة المسئولة عن ضبط أعمال السوق ومعاملاتها, وهو ما يثبت أن وزارة التجارة والصناعة في عهد الوزير رشيد محمد رشيد قد حصلت علي إجازة مفتوحة, بل يثبت أيضا أنها نجحت في الحصول علي فيزا للهجرة الجماعية الأبدية والدائمة؟!