تشهد الساحة الفنية صراعاً خفياً يهدف إلي تقليص حجم الاهتمام الجماهيري بمسلسل «الجماعة» الذي كتبه وحيد حامد ليتناول فيه تاريخ التنظيم السياسي منذ إنشائه عام 1928 حتي اعتباره جماعة محظورة عام 1954، وما بين هذين التاريخين يكشف المسلسل عن خفايا تعاطي الإخوان مع السياسة وصدام مؤسس الجماعة حسن البنا مع النحاس باشا وحكومة «الوفد» وما ينتج عن ذلك من تطورات علي مستوي الأحداث.. والمسلسل علي حد قول مؤلفه يعد عملاً حساساً لأنه يمسك بأطراف الصراع السياسي في مراحل تاريخية محددة، لذلك استغرق في كتابته عامين كاملين محاولاً طرح رؤية موضوعية ترصد ظاهرة المد الديني في الشارع المصري وتكشف عن أبعاده غير المعلنة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يعني أن المسلسل ليس سيرة ذاتية كما يتصور البعض.. بل قراءة متأنية لنموذج الإسلام السياسي عبر الدراما التليفزيونية ووسط هذه التكهنات بالأجواء التي تسير فيها الأحداث تتصاعد مخاوف الإخوان من تقديم صورة لهم ربما لا تنال رضاهم وربما تضع يد المشاهد العادي علي حقيقة مواقفهم السياسية لذلك ظهر من ينادي بضرورة مقاطعة الدراما التليفزيونية في رمضان وقد بدأت هذه الحملة الدعائية منذ نحو أسبوعين. فما من خطيب منهم يعتلي المنبر حتي ينوه بأن رمضان ليس شهر المسلسلات بل شهر العبادات وأن الأعمال الدرامية هي أداة لإلهاء الناس عن واجباتهم الدينية ولابد من مقاطعة مسلسل الجماعة إلا أن تصاعد هذه اللهجة والتركيز عليها يشير إلي أن الأمر يعكس مخاوف من تأثير المسلسل علي عامة الناس الذين قد تتغير مواقفهم أو نظرتهم لدور الجماعة المحظورة في الحياة السياسية بعد متابعة الأحداث.. ولعل ذلك ما جعل الإخوان يربطون ما بين العمل الفني والانتخابات علي أساس أنه يعد حجر عثرة في مسيرتهم البرلمانية لأنه يعترض طريقهم في التفاهم مع القاعدة الشعبية، غير أن هناك تعليمات من مكتب المرشد العام بعدم استباق الأحداث والتأني لمعرفة ما الذي سيسفر عنه المسلسل وما يتضمنه من أحداث مع ضرورة تكليف بعض الشخصيات بمتابعة العمل بدقة ودراسة التوجهات الإعلامية التي تقف وراءه أولاً بأول وبشكل يومي لوضع خطة إعلامية مضادة تبدأ برفع عدة دعاوي قضائية وتنتهي بالتحضير لمسلسل آخر يرد علي العمل الأول حتي لو تكلف إنتاج هذا العمل 20 مرة أكثر ما تم انتاجه لمسلسل «الجماعة». وقد طرحت هذه الفكرة منذ فترة لكنها أصبحت أكثر اقتراباً من حيذ التنفيذ مع عرض المسلسل الجديد ولكن السؤال المهم هنا هو: ما مصدر تمويل هذا العمل الفني الذي تعتزم الجماعة المحظورة إطلاقه؟ بلا شك أن هناك أيادي خفية تضمن تأمين مبلغ بهذه الضخامة وهذا يضع الأمور في إطار يصعب التنبؤ به خصوصًا إذا ما كانت هناك جهة ما تريد أن تستخدم الإخوان ورقة رهان داخل اللعبة السياسية بدليل أن الإخوان يستغلون الهجوم علي المسلسل لصالحهم دون أن يقدموا أي إنجازات واقعية مع أن الأصل هو أن يتم التحاور وتبادل الرأي والرأي الآخر وليس فرض وجهة نظر واحدة دون أن تشوبها أي انتقادات فليس من المعقول أن يطرح المسلسل قراءة تحليلية لفكر الجماعة المحظورة دون التعرض بالانتقاد لها. الشيخ محمد الغزالي نفسه انتقد الجماعة في كتابه «الحق المر» لكن الإخوان أعادوا طباعة الكتاب بعد حذف عبارات النقد الموجهة إليهم. يعتبر مسلسل «الجماعة» أول مسلسل يعرض عن جماعة سياسية ورغم أنه عمل فني وليس وثيقة احتجاج إلا أنه يثير كثيراً من اللغط في صفوف الإخوان أولاً لأنهم يحاولون بكل السبل تغيير صورتهم التقليدية أمام عامة الناس وثانياً لأنهم يخشون من النقد مع أن المتحدثين باسم الجماعة لا يكفون عن كيل الاتهامات والانتقادات للتيارات السياسية الأخري.. كأن الانتقاد سلاح مرخص باسم الإخوان فقط ولا يحق لأحد أن يستخدمه. ولكن الأهم من ذلك أن محاولات ضرب المسلسل والتشكيك فيه قد بدأت منذ فترة للتأكيد علي أن الأحداث التي يتضمنها العمل ربما لا تعبر عن مواقف أو وجهات نظر حيادية بالإضافة إلي الهجوم علي بطل العمل «إياد نصار» والتساؤل عن السبب وراء إبعاد النجوم المصريين عن القيام بدور الإمام حسن البنا بدلاً من إسناد الدور لممثل أردني ربما يكون بعيداً عن أجواء الحياة الاجتماعية المصرية ولم يقتصر الاعتراض علي جنسية إياد نصار ومحيطه الاجتماعي بل علي شكله الخارجي وطبيعة ملامحه التي يعتقد الإخوان أنها لا تتطابق مع صورة مؤسس الجماعة.. مع أن المخرج محمد ياسين اختار إياد نصار خصيصاً لأنه أقرب الممثلين شبهاً بشخصية الشيخ حسن البنا. هناك نوع من التحفز من جهة الإخوان قبل متابعة حلقات المسلسل ومن ثم فإن: إعلان الحرب علي الدراما التليفزيونية من فوق المنابر أصبح أمرًا مرفوضًا فبدلاً من استخدام الدين في تنمية ووعي الناس أصبح يستخدم في انتقاد المسلسلات. هل يرتدي نقاد الفن ثياب الوعاظ مادمنا نعيش في عالم تتداخل فيه والوظائف والمهام؟ أين دور وزارة الأوقاف في الرقابة علي الخطباء أم أنها تترك لهم المجال في الشطط والتجاوز في كل ما يقال؟ .