بعد أن انتهت الحلقة من برنامج «من قلب مصر» والذي استضافت فيه الأستاذة لميس الحديدي قداسة البابا شنودة اتصل بي صديق مسيحي مثقف غاضبا يقول: «هل شاهدت الحلقة؟» قلت «نعم»، قال: أنا لم أتحدث معك منذ فترة طويلة وأحيانًا اختلف معك في بعض ما تذهب إليه، لكن هذا الحديث أوضح للناس جميعًا أنه لا يوجد لدينا في النص المقدس أي شيء عن التبني ولا عن الميراث، وأن أصدقائي من المسلمين سألوني إذا كان ليس لديكم أي شيء في هذه الأمور، فلماذا تغضبون عندما يحكم عليكم من القضاة بجريمة المتاجرة في الأطفال، وتحبس راهبة وطبيب... إلخ، إذ لم يكن لديكم أي نصوص في التبني لماذا تغضبون؟! ولماذا تغضبون إذا قام مسيحي بإعطاء الذكر من أولاده مثل حظ الأنثيين؟ وإذا حدث خلاف علي الميراث وذهبت الأسرة إلي القضاء يحكم القاضي بحسب الشريعة الإسلامية، فلماذا ترفضون حكم الشريعة وفي نفس الوقت ترفضون المادة الثانية في الدستور وفي جلسة أخري ضمت مجموعة من المثقفين مسيحيين ومسلمين تبادلنا الحديث حول الإجابة عن سؤال هل نحن دولة دينية أم مدنية؟ قال أحد المثقفين المسلمين: إنني أتعجب من المسيحيين فهم يريدون أن يربحوا دائمًا ويستخدمون الكارت الذي يربحون به فإذا كان الكارت الرابح هو الدولة الدينية بدأوا الحديث بالقول: «إذا جاءكم أهل الكتاب فاحكموا بينهم بما يدينون، ومن لا يحكم بما أنزل الله فهؤلاء هم الفاسقون» وبهذا تحصلون علي ما تريدون، وعندما يكون مطلبكم يتماشي مع الدولة المدنية تنادون بالمساواة والقول بأننا لا نحكم بالشريعة وذلك ردا لمن يقول «لا ولاية لغير المسلم علي المسلم» وتنادون بضرورة أن يكون هناك بعض المحافظين من المسيحيين وبعض رؤساء الجامعات، والمناصب العليا... إلخ فما هي القصة؟ هل تريدون أن تعيشوا في ظل دولة دينية أم مدنية؟ وتباري الحاضرون في شرح وجهات نظرهم بأن ما يحدث الآن في مصر لا علاقة له بالدين بأي شكل من الأشكال سواء من الدولة أو الإخوان أو الكنيسة فالكل يلعب سياسة وليس دينا، فالدولة لكي ترسخ قواعدها تحاول أن ترضي جميع الأطراف وما تستطيع أن تفعله لإرضاء المتدينين من المسلمين والمسيحيين تفعله. فالهواء مليء بالبرامج الدينية والتي تحض علي التعصب؛ ومؤخرًا تقدمت د. سعاد صالح الصفوف بإعلانها أن المسيحي كافر، والقضاء يرفض عودة المسيحيين الذين أسلموا لديانتهم، ويرفض أن ينتمي أبناء المسيحي الذي أسلم في سن الحضانة للأم، وتبارك المجالس العرفية عندما يحدث اعتداء علي المسيحيين أو يمنعون من بناء كنائسهم وهم بذلك يرضون المسلمين من الإخوان وغيرهم. وفي جانب آخر تريد أن ترضي المسيحيين وتأتي المناسبة في قانون مثل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، فتأخذ المبادرة وتعد البابا شنودة بضرورة إخراج القانون للنور في شهرين، ومن قبل ذلك وفي مشاكل مماثلة تحاول إرضاءهم بطريقة أو أخري، أما الإخوان والكنيسة فلديهم كروت ضغط سياسية لا علاقة لها بالدين تتلخص في المظاهرات التي تخرج بالآلاف، والمتأمل للشعارات التي يرفعها الإخوان «القرآن دستورنا والرسول قائدنا والموت في سبيل الله غايتنا» نجد مقابلها «الإنجيل دستورنا والمسيح قائدنا والموت في سبيل كنيستنا غايتنا». وفي موسم الانتخابات يبدأ الشد والجذب والأكثر قدرة علي حشد الناس ورفع الشعارات وتقديم الطلبات والأكثر قدرة علي استخدام الأساليب السياسية في الكر والفر هو القادر علي تحقيق أكبر قدر من مطالبه، وانتهينا في جلستنا علي أن الموضوع أساسًا لا علاقة له بالدين لكنه موضوع سياسي بحت تستخدم فيه الصفقات المتبادلة والكروت التي في الأيدي والتنازل عن أمر للحصول علي أمر آخر فالغاية تبرر الوسيلة وقواعد اللعبة معروفة ومحفوظة وواضحة لكل ذي عينين والضحية الكبري هي جمهور الأشباح الذين يشار إليهم فيخرجون ويهتفون وفي إشارة أخري يصمتون وينسحبون وهم يظنون أنهم يرضون الله والله في أبعد نقطة من هذه اللعبة؛ وهو لا يرضي عنها جل شأنه.