قد يكون مقبولاً بحكم الاعتياد أن تنشر صحيفة صفراء خبرًا يتعلق بأمن دولة، فمهما كان حجم التحريف في هذا الخبر فهو بلا قيمة، نظرًا لكون الصحيفة بلا مصداقية.. وقد يكون مقبولاً بحكم الاعتياد أيضًا أن تبث قناة لا جمهور لها خبرًا يتعلق بشخصية كبري، إذ لن يلتفت إليها أحد، ولن يحقق الخبر أهدافه.. غير أنه لا يكون مقبولاً، مهنيًا وأخلاقيًا، أن تنشر صحيفة محترمة أو قناة محترفة خبرًا بلا مصادر دقيقة، أو بلا مرجعية حقيقية، لأن من شأن ذلك تعريض مصداقيتها لصدمات قد لا تحتملها، وتعريض لمصالح هذه الدولة لأشياء قد لا ترضيها، حتي وإن كانت غير حقيقية. وخلال الأسبوع الماضي، نشرت عدة صحف دولية تقارير إخبارية «بلا مصادر» عن صحة الرئيس مبارك.. ومن هذه الصحف الواشنطن تايمز الأمريكية، ووكالة رويترز للأخبار وغيرهما.. وتزعم هذه الصحف ووكالات الأنباء أن الرئيس مبارك يعاني من أزمة صحية، وأن هناك محاولات مصرية للتعتيم علي هذا الموضوع، ومحاولات لإخفاء الحقائق عن الجمهور المصري.. إضافة إلي ذلك، فإن الحكومات الغربية بدأت وضع سيناريوهات لانتقال السلطة في مصر! والحقيقة أن هذه التقارير تثير عدة تساؤلات مشروعة عن مشروعية محاكمة وسائل الإعلام الدولية مهنيًا وأخلاقيًا، إذ ليس معني أن تكون وسيلة دولية أن تنشر سيناريوهات افتراضية، وأن تبث أخبارًا وهمية، وأن تذيع تقارير أقل ما يوصف بأنها خادعة ومضللة.. وليس معني أن تكون وسيلة دولية أن تفرض أجندتك المزيفة علي التغطيات الإخبارية، وأن تحاول خلق حالة من البلبلة الإعلامية والسياسية بشأن حادث ما أو قضية معينة، خصوصًا إذا كانت هذه القضية بلا أساس وبلا أرضية واقعية. إن صحة الرئيس مبارك لا تحتاج إلي شهادات تؤكد سلامتها، ولا إلي تطمينات بشأنها.. فحالة النشاط السياسي، والتوهج الذهني الذي تعكسه تصريحاته ومحادثاته مع قادة الدول المختلفة، إضافة إلي تحركاته المكثفة، التي أصبحت معتادة بحكم تكرارها وتواترها، خلال الأسابيع الماضية بصفة عامة، وخلال الأسبوع الماضي بصفة خاصة، كل هذه الأشياء تجعل من العبث الرد علي هذه التقارير، وتجعل المهمة سهلة في كشف زيف هذه التقارير وعدم مصداقيتها.. غير أن السؤال يظل قائمًا: ما المصالح الخفية وراء بث مثل هذه التقارير الكاذبة؟ وما أهداف هذه الصحف ووكالات الأنباء في نشر أخبار لا صحة لها قد تضر مصداقيتها وموضوعيتها؟ وأخيرًا: هل يمكن محاكمة هذه الوسائل مهنيًا وأخلاقيًا لكشف الوجه القبيح لها؟