يأتي هذا المقال في سياق احتفالنا في مصر، والأمة العربية بل بلدان العالم الثالث - بثورة يوليو المجيدة، التي تعد أعظم وأكبر حدث تاريخي مصري وعربي إن لم يكن عالمياً خلال القرن العشرين، مستهدفين من كتابته إثارة الوعي بهذه الثورة، وما قامت به من إنجازات علي جبهة العدالة الاجتماعية التي باتت تواجه بالهجوم والنقد ليس فقط من بقايا وأبناء الثورة المضادة - كما كان يطلق عليها في تلك الأيام الخالدة- وإنما أيضا من قبل هؤلاء الذين ابتلينا بهم في هذا الزمن الرديء وهم وللأسف ممن كان للثورة الفضل عليهم وباتوا الآن يهاجمونها ويهاجمون إنجازاتها التي استفادوا منها ولكن وفي ظل الانقلاب في المواقف والاتجاهات لتحقيق المصالح الشخصية باتوا يهاجمون الثورة ويعتبرون الثماني والخمسين سنة الماضية أنها السنوات العجاف وفترة الحكم الشمولي وغيرها من الاتهامات التي يروجونها الآن في حين من يطالع العديد من كتاباتهم في الماضي يجد أنها كانت تصب في تمجيد الثورة وزعيمها الخالد جمال عبدالناصر. علي أي حال نعود لموضوعنا في هذا المقال هو وضع قضية العدالة الاجتماعية في العهد الثوري وبالتحديد في عقدي الخمسينيات والسيتينيات من القرن الماضي ونقول إنه من خلال مواثيق ثورة يوليو وما تم إنجازه علي أرض الواقع من عدالة اجتماعية هذه القضية كانت تحتل الأولوية علي أجندة ثورة يوليو فمن يحلل هذه الوثائق ابتداء من المبادئ الستة المعروفة التي تم وضعها في بدايات قيام الثورة ومروراً بكتاب «فلسفة الثورة» الذي صدر عام 1954، وانتهاء بميثاق العمل الوطني، الذي صدر في مايو 1962 يتبين له بوضوح أهمية هذه القضية بالنسبة لثورة يوليو، ومبررات هذه الأيام حيث نجد أن هذه الوثائق تنص وتتضمن: - ضرورة إقامة العدالة الاجتماعية وتحقيقها وأن هذا العمل لا يقل ضرورة عن القضاء علي الاستعمار وأعوانه في الوطن العربي، وأن القضاء علي الإقطاع والرأسمالية المستغلة من أهم شروط تحقيق العدالة الاجتماعية. - أن تحقيق هذه العدالة المدخل الرئيسي للقضاء علي ما هو متوارث من تخلف اجتماعي منذ أكثر من ستة قرون إبان الحكم المملوكي والعثماني وما حدث بعد هذا من تكريس للتخلف بسبب التركة الاستعمارية التي عاشتها مصر. - أن تحقيق هذه العدالة يعد من أهم وسائل التنمية الشاملة وفي الوقت نفسه من أهم الأهداف التي تستهدفها هذه التنمية. كما أنه لا يمكن تحقيق هذه التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، بل لا يمكن تحقيق الديمقراطية دون تحقيق الكفاية والعدل بين جميع أبناء الوطن. إلي آخر هذه الأقوال ذات الصبغة التنظيرية وهي الأقوال التي وجدت الترجمة الفعلية علي أرض الواقع من خلال عشرات من المشاريع والإنجازات يأتي في مقدمتها: 1- الإصلاح الزراعي الذي لم يكن يستهدف فقط تحديد الملكية وإنما تضمن أيضا تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر من حيث تحديد قيمة إيجار فدان الأرض، وعدم طرد المستأجر له تعسفيا، وغيرها من الإجراءات التي كانت تستهدف حماية الفلاح من القهر والظلم وتضمن تحقيق العدل الاجتماعي. 2- عمليات التأميم للقضاء علي الاستغلال وإعطاء الفرصة للطبقات الوسطي والدنيا المزيدة الفرص والمشاركة في الشركات والمؤسسات المؤممة ربحا وقيادة وإدارة. 3- مجانية التعليم والتي فتحت الباب للحصول علي فرصة التعليم لكل من حرم منها أو غير قادر عليها وباعتبار التعليم هو أساس الطبقات الدنيا والوسطي لحراك اجتماعي فعال. 4- أما ما حدث للصحة ولوضع المرأة وغيرهما من اهتمام غير مسبوق فأمر يطول شرحه ويؤكد أن العدالة الاجتماعية وجدت طريقها علي أرض الواقع في الكثير من القطاعات استهدافا لإحداث ثورة اجتماعية لا تقل أهمية عن الثورة السياسية. ولا يعني هذا أنه لم تكن هناك تجاوزات وسلبيات فيما قامت به ثورة يوليو علي جبهة العدالة الاجتماعية وفي غيرها ولكن لا يمكن بحال من الأحوال مقارنة هذه التجاوزات والسلبيات بتلك الإنجازات الكبري التي قامت بها الثورة علي هذه الجبهة بل وعلي كل الجبهات. فتحية لثورة يوليو المجيدة في عقدها الثامن والخمسين وعلينا إعادة قراءة ملف الثورة كاملا والإفادة من إنجازاته وتجنب سلبياته وإخفاقاته.